زينب وزيد.. "حب" لأجل الله ورسوله وفراق بأمر الله
من باب الرحمة المهداة، ومن بين ثنايا الكلمات النورانية التي جاء بها كتاب الله، كان دخولنا على علاقات إنسانية لنساء ورجال ورد ذكرهم في القصص القرآني..
قصص نلمح فيها المودة والرحمة، نرى فيها كيف يتغلب الإنسان بالحب على كل مصاعب الحياة وتقلبات الدهر..
فيها علاقات جمعها الله على الحب، وأخرى فرقها الله بالحب..
قصص نتعلم منها أن الحب مطلوب، ونحن نعيش الحياة..
ومطلوب حتى ونحن نفارق من عاشرناهم في هذه الحياة..
*************************
قصة
السيدة زينب وزيد بن حارثة
عندما تكون طاعة الأهل ولو على غير إرادة الأبناء هي السبيل للمزيد من السعادة وللفوز بشرف الزواج من سيد الخلق بعد اختبار من الله عز وجل أكدت فيه السيدة زينب بنت جحش على قدرتها على الطاعة والامتثال لأمر الله تعالى ورسوله، ولكن ولأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ولأن الزواج لا بد أن يقوم على أسس التكافؤ مع وجود الأخلاق والدين كما أكد الرسول الكريم كانت نهاية الزواج المنطقية هي الانفصال، ولكن بعد أن ضربت مثالاً يحتذى في وجوب الطاعة والتأكد من حسن الجزاء وهذه قصتها:
هناك نوايا خبيثة وأساطير وقصص مختلَقة افتراها أعداء الدين الإسلامي في هذا الصعيد، حيث إنهم حَوَّروا موضوع زواج النبي من زينب مطلقة زيد بن حارثة وذكروها، كقصة غرامية، وكذبوا على نبينا العظيم بغية الحط من مكانته السامية، وقد عرفت بطلانها من خلال معرفة حقيقة الأمر من الآيات القرآنية الصريحة .
إن السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها هي إحدى زوجات النبي، وقد تزوج بها الرسول في السنة الخامسة من الهجرة، وهي بنت أمية بنت عبد المطلب عمة النبي، وكانت زوجة لزيد بن حارثة قبل أن تصبح زوجة لرسول الله.
أما زيد بن حارثةـ زوج زينب قبل الرسول ـ فكان يُدعى قبل الإسلام بزيد بن محمد، لكنه لم يكن من أولاد الرسول، بل كان غلاما اشترته خديجه بعد زواجها من النبي، ثم أهدته إلى النبي فأعتقه في سبيل الله، ثم تبنّاه النبي تبنياً اعتباريا على عادة العرب؛ لرفع مكانته الاجتماعية بعدما رفض الذهاب مع والده وعمه حباً في رسول الله.
وعندما أحس النبي بحاجة زيد إلى الزواج أمره بخطبة بنت عمته -أي بنت عم النبي- زينب بنت جحش، لكن زينب رفضت ذلك تبعا للعادات والتقاليد السائدة في تلك الأيام، وهي ألا تتزوج الحرة من العبد المعتق، خاصة وأن زينب كانت من عائلة ذات حسب وشأن، فنزلت الآية الكريمة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}، فأخبرت زينب النبي بقبولها الزواج من زيد بن حارثة، وهكذا تم الزواج برضا زينب، نزولا عند رغبة الرسول، وخضوعا لحكم الله تعالى، فكيف يطمع الرسول في زينب وهو الذي اقترح واختار زواجها لزيد أساساً؟
إن الفائدة من هذا الزواج أن الرسول أراد وبأمر من الله كسر العادات والتقاليد الخاطئة، والتي كانت تمنع زواج العبيد المعتقين من بنات العائلات المعروفة، وبالفعل فقد تحقق للنبي العظيم ما أراد، وتمكن من تطبيق المساواة بصورة عملية بين أفراد المجتمع الإسلامي .
وبعد ذلك فقد شاء الله عز وجل ولا مردّ لمشيئته أن يطلّق زيد بن حارثة زوجته حينما تعذّر استمرار الحياة الزوجية بينهما على الوجه المطلوب، ومضت سنة الله في خلقه أن ما رسخ في النفوس بحكم العادة لا يسهل التخلص منه، فقد كانت عادة التبني لا تزال قائمة في نفوس الناس، وليس من السهل التغلب على الآثار المترتبة عليها، ومن أهم هذه الآثار أن الأب لا يتزوج امرأة من تبناه بعد وفاته، أو طلاقه لزوجته، فاختار الله تعالى النبي لهذه المهمة الصعبة، وأمره بالزواج من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد.
وبعد أن تزوج النبي من زينب رضي الله عنها، أثار هذا الزواج أحاديث وأقاويل كثيرة من قبل المشركين والمنافقين، فقد قالوا: تزوج محمد زوجة ابنه زيد بعد أن طلقها، كما وأن للمستشرقين ومن شايعهم في العصر الحاضر أحاديث في هذا الموضوع، فاتخذوا من هذه الحادثة ذريعة للطعن في رسول الله.
ولكن يتبين أن السبب في طلاق زيد لزينب هو ما كان بينهما من خلافات، وأنه لم يكن بينهما وئام يؤمل معه أن تبقى الحياة الزوجية بينهما، فطلقها بمحض اختياره ورغبته، وكان رسول الله ينهاه عن ذلك، وقد كان الله عز وجل قد أعلم نبيه أن زيداً سيطلق زينب، وأنها ستكون زوجة له، وأنه كان يُخفي هذا ويخشى من كلام الناس، أنه تزوج مطلقة من كان يُدعى إليه، فعاتبه ربه على ذلك. وفي هذا نزل قول الله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً}.