قصة سيدنا موسى وابنة الرجل الصالح
من باب الرحمة المهداة، ومن بين ثنايا الكلمات النورانية التي جاء بها كتاب الله، كان دخولنا على علاقات إنسانية لنساء ورجال ورد ذكرهم في القصص القرآني..
قصص نلمح فيها المودة والرحمة، نرى فيها كيف يتغلب الإنسان بالحب على كل مصاعب الحياة وتقلبات الدهر..
فيها علاقات جمعها الله على الحب، وأخرى فرقها الله بالحب..
قصص نتعلم منها أن الحب مطلوب، ونحن نعيش الحياة..
ومطلوب حتى ونحن نفارق من عاشرناهم في هذه الحياة..
*************************
قصة
سيدنا موسى وابنة الرجل الصالح
عندما يكون حياء الفتاة سبباً في اهتمام الشاب القوي الأمين بها، وعندما تكون صفات القوة والأمانة والرجولة وتحمل المسئولية هي مقومات زوج صالح لابنة رجل صالح وقيل نبي من أنبياء الله؛ فنحن نتحدث هنا عن قصة حب حقيقية، ووجه رائع من أوجه الحب لا تكون فيه للحسابات المادية مجال، ولا يكون الهدف سوى المودة والرحمة والعشرة الطيبة، والتشجيع المستمر على تلبية أوامر رب العالمين والحرص على الفوز بطاعته؛ وهذه قصة موسى عليه السلام وابنة الرجل الصالح:
القصة وردت في القرآن حين خرج سيدنا موسى من مصر وذهب إلى مدين وكان متعباً جدا، ووجد بئراً والرجال يسقون منه وامرأتان تقفان لا تسقيان، فذهب إلى المرأتين يسألهما: ما خطبكما؟ فردتا ببساطة: لا نسقي حتي يُصدر الرعاء أي حتى ينصرفوا وأبونا شيخ كبير، فسقى سيدنا موسى لهما في مروءة، وبعد أن سقى لهما تركهما فوراً دون كلام زائد ودون تهريج ودون تطويل في الكلام، لكن بمنتهى الأخلاق والحزم والجدية فعل الخدمة وتولّى إلى الظل وأخذ يدعو رب العالمين فقال: "رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير"، فذهبت الفتاتان إلى أبيهما تحكيان له عما حدث، فطلب الأب أن تأتي إحداهما بالشاب.
فذهبت إحداهما تمشي وفي مشيتها استحياء وتقول: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا؛ أي لست أنا ولكنه أبي، فبدأت بالأب للدلالة على احترامها له وحرصها على طاعته.
وهنا لم يشهد لها بالحياء بشر لكنه الله تعالى رب العالمين؛ حيث إن البشر قد يخدعهم الخجل المصطنع أو الكسوف أو الدلع الذي يقول عنه البعض رقة، لكن عندما يأتي الوصف من الله رب العباد، إذن فهو الحياء الحقيقي والمستحسن في الفتاة.
ثم نجدها لم تسِرْ أمام سيدنا موسى بل ولا حتى إلى جواره ولكن خلفه وظلت ترشده إلى الطريق بقذفها للحصى من خلفه في الاتجاه المطلوب.
ثم تُذكّي سيدنا موسى عند أبيها وتقول له: يا أبت استئجره إن خير من استأجرت القوي الأمين.
وبعد أن يعرف الرجل الصالح قصته يعرض عليه الزواج من إحدى ابنتيه على أن يكون مهرها هو أجره في 8 سنوات، وإذا زادهم إلى عشرة ففضل منه، حيث قال الله تعالى على لسان نبيه: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [سورة القصص 27].
وهنا دليل على أن المهر من حق الفتاة ولا يعتبر مغالاة في الزواج مثلما يقول البعض الآن مطالبين بإلغاء المهور وتزويج الفتيات دون مهر وإلا يكون الأهل متسلطين ومتشددين ولا يراعون شرع الله ومغالين في طلباتهم، ومن ناحية أخرى تحث القصة على أن هذا المهر ممكن أن يكون بعد الزواج وعلى أقساط؛ تخفيفاً وتيسيراً على الشاب الذي يريد الزواج ليعف نفسه خاصة لو توافرت فيه سمات الشاب الصالح والزوج التقي.
الفتاه أعجبت بالشاب وليس عيباً.. والأب فاهم وذكي... فعرض عليه أن يتزوج إحدى الابنتين لأنه قريب من ابنته ويفهمها جيدا.. فهذا نموذج لعلاقة في إطار راقٍ ومحترم فهي قصة رائعة تحوي صفة للرجل (القوى الأمين) وصفة للمرأة (الحياء).. فأنت يا سيدنا موسى تستحق بأخلاقك لقب "القوي الأمين" وأنت يا ابنة الرجل الصالح تستحقين الزواج من سيدنا موسى، وكذلك وصف الله لك بالحياء الذي هو من أهم صفات الأنوثة بالإضافة إلى ماله من مدلولات كثيرة ناهيك عن كونه شعبة من الإيمان .
ففي هذه القصة أبلغ رد على من يقول إن البنت لا بد أن تكون جريئة ومنفتحة في علاقتها مع الجنس الآخر حتى تنال زوجاً جيداً، أو أن يكون الشاب "روش وكول ومهرج" حتى ينال قلب الفتاة.