| كتاب فتاوى ومقالات لبن باز | |
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز السبت أغسطس 13, 2011 4:23 pm | |
| |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز السبت أغسطس 13, 2011 4:25 pm | |
| |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز السبت أغسطس 13, 2011 4:26 pm | |
| |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز السبت أغسطس 13, 2011 4:28 pm | |
| والإخلاص له والدعوة إلى ذلك، وبيان صفاته وأسمائه وأنه المستحق لأن يعبد جل وعلا، فكانت دعوته دعوة كاملة، قال جل وعلا: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}([1]) وأنزل عليه كتابا عظيما وهو أشرف الكتب وأعظمها وأنفعها وأعمها، بين فيه أدلة التوحيد، وأنه الرب العظيم، القادر على كل شيء المالك، لكل شيء، النافع الضار، وأمر نبيه أن يبلغ الناس ذلك في آيات كثيرات، من تدبر القرآن عرفها كما قال سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}([2]) وقال سبحانه: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}([3]) فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحتج عليهم بما أقروا به من أفعال الرب وقدرته، وأنه يحيي ويميت، وأنه المدبر الرزاق، على ما جحدوا في توحيد العبادة وأنكروه.والمعنى: إذا كنتم مقرين بأن هذا هو ربكم الذي يملك الضر والنفع، ويدبر الأمور ويحيي ويميت ويرزق عباده، فكيف لا تتركون الإشراك به، وتعبدونه وحده دون ما سواه جل وعلا، ومن هذا قوله سبحانه: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ}([4]) والآيات بعدها.فكل هذا تذكير من الله لعباده على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بعظيمحقه وبأسمائه وصفاته، وأنه عز وجل المستحق لأن يعبد لكمال قدرته، وكمال علمه، وكمال إحسانه، وأنه النافع الضار وهو القادر على كل شيء، المتفرد في أفعاله وأسمائه وصفاته عن المشابه والنظير جل وعلا.ولما بعث الله نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام، بدأ دعوته بالتوحيد، كالرسل السابقين سواء، فقال لقريش: يا ((قوم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)). هكذا بدأهم، ما أمرهم بالصلاة أو الزكاة أولا أو ترك الخمر أو الزنا أو شبه ذلك.لا، بل بدأهم بالتوحيد لأنه الأساس، فإذا صلح الأساس جاء غيره بعد ذلك. فبدأهم بالأساس العظيم وهو توحيد الله والإخلاص له، والإيمان به وبرسله.فأساس الملة وأساس الدين في شريعة كل رسول توحيد الله والإخلاص له، فتوحيد الله والإخلاص هو دين جميع المرسلين، وهو محل دعوتهم جميعا، وزبدة رسالتهم عليهم الصلاة والسلام كما سلف، ولما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لقومه: (قولوا لا إله إلا الله) استنكروا ذلك، واستغربوه، لأنه خلاف ما هم عليه وآباؤهم، فقد ساروا على الشرك، وعبادة الأوثان من دهر طويل، بعدما غير عليهم دينهم عمرو بن لحي الخزاعي الذي كان رئيسا في مكة، فيقال أنه سافر إلى الشام، ووجد الناس يعبدون الأصنام هناك، فجاء إلى مكة ودعا الناس إلى عبادة الأصنام تقليدا للكفارهناك، ويقال إنه قيل له: إيت جدة، تجد فيها، أصناما معدة، فخذها ولا تهب، وادع العرب إلى عبادتها تجب.فاستخرجها ونشرها بين العرب فعبدوها وهي: ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، التي كانت معبودة في قوم نوح. فاشتهرت بين العرب، وعبدت من دون الله، بسبب عمرو بن لحي المذكور، ثم أوجدوا أصناما وأوثانا أخرى في سائر القبائل يعبدونها مع الله، يسألونها قضاء الحوائج، ويجعلونها آلهة مع الله، ويتقربون إليها بأنواع القربات كالذبح والنذر والدعوات والتمسح وغير ذلك.ومن ذلك العزى لأهل مكة، ومناة لأهل المدينة ومن حولهم، واللات لأهل الطائف ومن حولهم، إلى غير ذلك من الأوثان والأصنام الكثيرة في العرب، فلما دعاهم هذا النبي الكريم رسولنا عليه الصلاة والسلام إلى توحيد الله وترك آلهتهم، أنكروا عليه ذلك وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ}([5]) وقال جل وعلا عنهم في سورة الصافات: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}([6]) فانظر يا أخي كيف غلب عليهم الجهل حتى جعلوا الدعوة إلى توحيد الله أمرا عجابا، واستكبروا عنه واستغربوه وعادوا من دعاهم إليه حتى قاتلوه، وانتهى الأمر أن أجمعوا رأيهم على قتله، فأنجاه اللهمن مكرهم، وهاجر من بين أظهرهم إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، ثم حاولوا قتله أيضا يوم بدر فلم يفلحوا، وحاولوا ذلك يوم أحد بأشد مما قبل، فكفاه الله مكرهم وكيدهم، ثم حاولوا يوم الأحزاب استئصال الدعوة والقضاء على الرسول وأصحابه، فأبطل الله كيدهم وفرق شملهم، وأنجاه الله من شرهم ومكائدهم، ونصر دينه وأيد دعوته، وأعانه على جهاد أعدائه حتى أقر الله عينه قبل وفاته عليه الصلاة والسلام بانتصار دين الله وظهور الحق، وانتشار التوحيد في الأرض، والقضاء على الأوثان والأصنام، بعدما فتح الله عليه مكة في السنة الثامنة من الهجرة في رمضان، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجا بسبب فتح الله عليه مكة، ودخول قريش في الإسلام، ثم تتابعت العرب في الدخول في دين الله وقبول ما دعا إليه عليه أفضل الصلاة والسلام، من توحيد الله والإخلاص له جل وعلا، والتمسك بشريعته سبحانه وتعالى.والمقصود أن رسولنا ونبينا محمدا عليه الصلاة والسلام دعا إلى ما دعت إليه الرسل قبله من نوح ومن بعده، إلى توحيد الله والإخلاص له، وترك عبادة ما سواه.هذه أول دعوته، وهذه زبدتها، وهي أهم واجب وأول واجب، وأعظم واجب، وكان بنو آدم على التوحيد من عهد آدم إلى عهد نوح عليه السلام عشرة قرون، كما قال ابن عباس وجماعته، فلما اختلفوا بسبب الشرك الذي وقع في قوم نوح، بعث الله الرسل قالالله عز وجل: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}([7]) المعنى كان الناس أمة واحدة على التوحيد والإيمان، فاختلفوا بعد ذلك، كما قال في آية أخرى في سورة يونس: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا}([8]).فالمعنى أنهم كانوا على التوحيد والإيمان، هذا هو القول الحق، ثم اختلفوا بعد ذلك بينهم بسبب دعوة الشيطان إلى عبادة ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر.فلما وقع الشرك في قوم نوح بسبب غلوهم في الصالحين، وتزيين الشيطان لهم عبادتهم من دون الله، بعث الله إليهم نوحا عليه الصلاة والسلام، فدعاهم إلى توحيد الله والإخلاص له، وترك عبادة ما سواه جل وعلا.فكان نوح عليه الصلاة والسلام أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض بعدما وقع الشرك فيها، أما آدم فجاءت أحاديث ضعيفة تدل على أنه نبي ورسول مكلم، لكنها لا يعتمد عليها لضعف أسانيدها، ولا شك أنه أوحي إليه بشرع وأنه على شريعة من ربه عليه الصلاة والسلام، وكانت ذريته على شريعته وعلى توحيد الله، والإخلاص له، ثم بعد ذلك بعشرة قرون أو ما شاء الله من ذلك، وقع الشرك في قوم نوح في ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، كما تقدم.وقد جاء في الآثار المشهورة عن ابن عباس وغيره، أن ودًّا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا، كانوا رجالا صالحين، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم أنصابا، وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت من دون الله عز وجل.أي لما ذهب العلم وقل العلماء المتبصرون جاء الشيطان إلى الناس فقال لهم: إن هذه الأصنام إنما صورت لأنها كانت تنفع وكانت تدعى ويستغاث بها، ويستسقى بها، فوقع الشرك في الناس بسبب ذلك.وبهذا يعلم أن نوحا عليه الصلاة والسلام أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، بعد وقوع الشرك فيها، كما جاء في الصحيحين وغيرهما ((من أن أهل الموقف يوم القيامة يقولون يا نوح أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض فاشفع لنا إلى ربك)) الحديث.أما آدم فقد ثبتت نبوته قبل ذلك عليه الصلاة والسلام بدلائل أخرى. وجاء في حديث أبي ذر عن أبي حاتم بن حبان وغيره أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرسل وعن الأنبياء فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألفا والرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر) وفي رواية أبي أمامة ثلاثمائة وخمسة عشر ولكنهما حديثان ضعيفان عند أهل العلم، ولهما شواهد ولكنها ضعيفة أيضا، كما ذكرنا آنفا، وفي بعضها أنه قال عليه الصلاة والسلام ألف نبي فأكثر وفي بعضها (أن الأنبياء ثلاثة آلاف((وجميع الأحاديث في هذا الباب ضعيفة، بل عد ابن الجوزي حديث أبي ذر من الموضوعات، والمقصود أنهليس في عدد الأنبياء والرسل خبر يعتمد عليه، فلا يعلم عددهم إلا الله سبحانه وتعالى، لكنهم جم غفير، قص الله علينا أخبار بعضهم ولم يقص علينا أخبار البعض الآخر، لحكمته البالغة جل وعلا، والفائدة العظمى أن نعرف أنهم جميعهم دعوا إلى توحيد الله، والإخلاص له سبحانه وتعالى، وأنهم دعوا أممهم إلى ذلك، فمنهم من قبل هذه الدعوة، ومنهم من ردها، ومنهم من لم يتبعه إلا القليل ومنهم من لم يجبه أحد بالكلية كما أخبر بذلك نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.ونبينا وهو خاتمهم وأفضلهم عليه الصلاة والسلام قد علم ما جرى له مع قومه من الخصومة والنزاع في مكة المكرمة، وقد أوذي كثيرا هو وأصحابه حتى أجمعوا على قتله، فأنجاه الله من بين أظهرهم، وفي المدينة جرى ما جرى من الغزوات والجهاد العظيم حتى نصره الله وأيده عليهم عليه الصلاة والسلام، وبذلك يتضح للجميع أن دعوة الرسل جميعهم، هي دعوة إلى توحيد الله والإخلاص له، وأن الأنبياء جميعا، والمرسلين كلهم دعوا إلى توحيد الله والإخلاص له، والإيمان بأسمائه وصفاته وأفعاله، وأنه سبحانه واحد في ربوبيته، واحد في أسمائه وصفاته، واحد في استحقاقه العبادة دون كل ما سواه جل وعلا، فلا يستحقها غيره لا نبي ولا ملك ولا صالح ولا غيرهم من المخلوقات، فالعبادة حق الله جل وعلا، ولها خلق الخلق سبحانه وتعالى، وبها أرسل الرسل كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}([9]) وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}([10]) فلعبادة الله وتوحيده خلقت الخليقة، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، كما قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ}([11]) وقال سبحانه: {هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}([12]).وقد أبان الله سبحانه في كتابه العزيز من آياته ومخلوقاته ما يدل على قدرته العظيمة، وألوهيته وربوبيته، وأنه المستحق للعبادة سبحانه وتعالى. ومن تدبر كتاب الله ومخلوقاته وجد من الآيات المتلوة والحسية والأخبار المنقولة، ما يدل على أنه سبحانه المستحق للعبادة جل وعلا، وأن الرسل كلهم بلغوا ذلك ودعوا إليه، وأن الشرك الذي وقع في قوم نوح لم يزل في الناس إلى يومنا هذا، فلم يزل في الناس من يعبد الأصنام والأوثان، ويغلو في الصالحين والأنبياء، يعبدهم مع الله، كما هو معلوم عند كل من نظر في أخبار العالم من عهد نوح إلى يومنا هذا.وبما ذكرنا من كتاب الله عز وجل، ومن كلام رسوله محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومن واقع العالم يتضح أن التوحيد أقسام وقد عرف ذلك أهل العلم بالاستقراء لكتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.فهو أقسام ثلاثة: توحيد الربوبية، وهو الإيمان بأن الله عز وجل واحد في أفعاله، وخلقه وتدبيره لعباده، وأنه المتصرف في عباده كما شاء سبحانه وتعالى، بعلمه وقدرته جل وعلا.والثاني: توحيد الأسماء والصفات، وأنه سبحانه وتعالى موصوف بالأسماء الحسنى والصفات العلى، وأنه كامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله جل وعلا، وأنه لا شبيه له ولا نظير له، ولا ند له عز وجل.الثالث: توحيد العبادة وأنه يستحق سبحانه وتعالى أن يعبد وحده لا شريك له، دون ما سواه جل وعلا.وإن شئت قلت توحيد الله سبحانه وتعالى: هو الإيمان بأنه رب الجميع وخالق الجميع، ورازق الجميع، وأنه لا شريك له في جميع أفعاله سبحانه وتعالى، لا شريك له في خلقه ورزقه للعباد، لا شريك له في تدبير الأمور، وهو المالك لكل شيء جل وعلا، كما قال سبحانه وتعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}([13]) فهو المالك لكل شيء، والمتصرف في كل شيء جل وعلا، له الأمر كله، وله الخلق كله، كما قال تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}([14]) وهو الموصوف بصفات الكمال، والمسمى بالأسماء الحسنى، فلا شبيه له من خلقه في شيء، بل هو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهو المستحق أن يعبد ويخص بالعبادة من الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبةوالصلاة والصوم والذبح والنذر وغير ذلك.هذا كله داخل في مسمى التوحيد، توحيد الله سبحانه وتعالى توحيد الأنبياء والمرسلين. وهو التوحيد الذي جاء به خاتمهم وسيدهم وإمامهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.ويمكن أن نأتي بعبارة أخرى فنقول: توحيد الله الذي جاءت به الرسل جميعهم ينقسم إلى قسمين:- توحيد في المعرفة والإثبات: فمعناه الإيمان بأسماء الله وصفاته وذاته جل وعلا، وخلقه للعباد ورزقه لهم، وتدبيره لشئونهم سبحانه وتعالى.هذا هو التوحيد في المعرفة والإثبات: أن تؤمن وتصدق بأن الله سبحانه واحد في ربوبيته، واحد في أسمائه وصفاته وتدبيره لعباده، وهو الخالق لهم والرازق لهم والموصوف بصفات الكمال المنزه عن النقص والعيب لا شريك له في ذلك، ولا شبيه له، ولا ند له جل وعلا.- والقسم الثاني توحيد القصد والطلب: وهو إفراد الله سبحانه في قصدك وطلبك وصلاتك وصومك، وسائر عباداتك، لا تقصد بها إلا وجهه جل وعلا، وهكذا صدقاتك، وسائر أعمالك التي تتقرب بها، لا تقصد بها إلا وجهه جل وعلا، فلا تدعو إلا إياه، ولا تنذر إلا له، ولا تتقرب بأنواع القربات إلا له سبحانه، ولا تطلب شفاء المرضى والنصر على الأعداء إلا منه عز وجل، توحده في كل ذلك.فهذه أنواع التوحيد لك أن تعبر عنها بنوعين، ولك أن تعبر عنها بثلاثة أنواع، ولك أن تعبر عنها بنوع واحد كما تقدم فيما ذكرنا آنفا. ولا مشاحة في الاصطلاح والتعبير، وإنما المقصود أن نعرف ما هو التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب، ووقعت فيه الخصومة بين الرسل وأممهم، وهو توحيد العبادة.أما كونه سبحانه رب الجميع وخالق الخلق ورازقهم، وأنه كامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، وأنه لا شبيه له، ولا ند له، ولا مثيل له، فهذا لم يقع فيه الخلاف بين الرسل والأمم، بل جميع المشركين من قريش وغيرهم مقرون به، وما وقع من إنكار فرعون وادعائه الربوبية فمكابرة، يعلم في نفسه أنه مبطل، كما قال له موسى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ}([15]) وقال سبحانه فيه وفي أمثاله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}([16]) وقال تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}([17]) وهكذا ما ادعته الثانوية من إلهية النور والظلمة، فمكابرة أيضا، وهم مع ذلك لم يقولوا أنهما متساويان، فليس في العالم من يقول إن هناك إلهين متساويين في التصرف والتدبير، وأما إنكار الملاحدة لرب العالمين كليا، وإنكارهم للآخرة، فليس هذا بمستغرب من أعداء الله، لفساد عقولهم بسبب استيلاء الشياطين عليهم حتىاجتالتهم عن فطرة الله التي فطر عليها الناس، وهؤلاء الملاحدة، وإن أنكروا بألسنتهم فقلوبهم تقر بذلك، كما أقر بذلك الجمادات، وكل شيء كما قال سبحانه وتعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}([18]) وقال جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}([19]) الآية.والمقصود أن من أنكر رب العالمين من الكفرة المجرمين، فهو في الحقيقة مكابر لفطرته وعقله، فإن الفطرة والعقل يشهدان بوجود رب متصرف في الكون، مدبر للعباد، لا شبيه له، ولا شريك له، ولا ند له، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، ولهذا قلنا إن المشركين قد أقروا بتوحيد الربوبية، والأسماء والصفات ولم ينكروا ذلك، لأنهم يعلمون أن الله جل وعلا خالق العباد ورازقهم، ومدبر أمورهم، منزل المطر المحيي المميت، الرزاق للعباد وغير ذلك كما تقدم بيانه.فالواجب عليك يا عبد الله إذا عرفت ما تقدم أن تبذل وسعك في بيان هذا الأصل الأصيل، ونشره بين الناس، وإيضاحه للخلق، حتى يعلمه من جهله، وحتى يعبد الله وحده من أشرك به وخالف أمره، وحتى تكون بذلك قد اتبعت الرسل وسرتعلى منهاجهم في الدعوة إلى الله أداء للأمانة التي حملتها.فيكون لك مثل أجور من هداه الله على يديك إلى يوم القيامة، كما قال الله جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}([20]) وقال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}([21]) وقال جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}([22]) وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) رواه مسلم في صحيحه. وقال لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر: ((فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)) متفق على صحته.هذا وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جميعا للفقه في دينه والاستقامة على ما يرضيه، وأن يعيذنا جميعا من أسباب غضبه، ومن مضلات الفتن، كما أسأله سبحانه أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين ويولي عليهم خيارهم إنه سبحانه وتعالى جواد كريم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.تعليق علىالعقيدة الطحاوية([23]) الحمد لله رب العالمين قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي بمصر رحمه الله: هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدين ويدينون به رب العالمين. نقول في توحيد الله([24]) معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره.قديم بلا ابتداء([25]). دائم بلا انتهاء، لا يفنى ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد، لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبهالأنام، حي لا يموت، قيوم لا ينام، خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة، ما زال بصفاته قديما قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفته، وكما كان بصفاته أزليا، كذلك لا يزال عليها أبديا، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم (الخالق)، ولا بإحداث البرية استفاد اسم (الباري)، له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق، وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم، ذلك بأنه على كل شيء قدير وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يحتاج إلى شيء {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} خلق الخلق بعلمه، وقدر لهم أقدارا، وضرب لهم آجالا، ولم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ، لا مشيئة للعباد، إلا ما شاء لهم فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن.يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلا، ويضل من يشاء، ويخذل ويبتلي عدلا، وكلهم يتقلبون في مشيئته، بين فضله وعدله، وهو متعال عن الأضداد والأنداد، ولا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره. آمنا بذلك كله وأيقنا أن كلا من عنده وأن محمدا عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى، وأنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغيّ وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى، بالحق والهدى، وبالنور والضياء، وأن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولا، وأنزله على رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ}([26]) فلما أوعد الله بسقر لمن قال: {إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ}([27]) علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر.ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر. فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر. والرؤية حق لأهل الجنة، بغير إحاطة ولا كيفية كما نطق به كتاب ربنا {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}([28]) وتفسيره على ما أراده الله تعالى وعلمه، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كما قال ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلكمتأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه.ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان، فيتذبذب بين الكفر والإيمان والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوسا تائها شاكا لا مؤمنا مصدقا ولا جاحدا مكذبا. ولا يصح الإيمان بالرؤية لأهل دار السلام لمن اعتبرها منهم بوهم، أو تأولها بفهم إذ كان تأويل الرؤية - وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية - بترك التأويل ولزوم التسليم وعليه دين المسلمين. ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه. فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية ليس في معناه أحد من البرية، وتعالى([29]) عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات.والمعراج حق، وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء، ثم إلى حيث شاء الله من العلا، وأكرمه الله بما شاء، وأوحى إليه ما أوحى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}([30]) فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى. والحوض الذي أكرمه الله تعالى به غياثا لأمته حق، والشفاعة التي ادخرها لهم حق، كما روي في الأخبار.والميثاق الذي أخذه تعالى من آدم وذريته حق، وقد علم الله تعالى فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة، وعدد من يدخل النار جملة واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد، ولا ينقص منه. وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه، وكل ميسر لما خلق له، والأعمال بالخواتيم، والسعيد من سعد بقضاء الله، والشقي من شقي بقضاء الله.وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان وسلم الحرمان ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهمعن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}([31]) فمن سأل لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين.فهذا جملة ما يحتاج إليه من هو منور قلبه من أولياء الله تعالى. وهي درجة الراسخين في العلم؛ لأن العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود([32])، فإنكار العلم الموجود كفر، وادعاء العلم المفقود كفر، ولا يثبت الإيمان إلا بقبول العلم الموجود وترك طلب العلم المفقود.ونؤمن باللوح والقلم وبجميع ما فيه قد رقم، فلو اجتمع الخلق كلهم على شيء كتبه الله تعالى فيه أنه كائن ليجعلوه غير كائن لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا كلهم على شيء لم يكتبه الله تعالى فيه
([1]) سورة الأعراف الآية 158.([2]) سورة لقمان الآية 25.([3]) سورة يونس الآية 31.([4]) سورة المؤمنون الآية 84 85.([5]) سورة ص الآية 5.([6]) سورة الصافات الآية 35-36([7]) سورة البقرة الآية 113.([8]) سورة يونس الآية 19.([9]) سورة الذاريات الآية 56.([10]) سورة النحل الآية 36.([11]) سورة هود الآيات 1- 2.([12]) سورة إبراهيم الآية 52.([13]) سورة المائدة الآية 120.([14]) سورة الأعراف الآية 54.([15]) سورة الإسراء الآية 102.([16]) سورة النمل الآية 14.([17]) سورة الأنعام الآية 33.([18]) سورة الإسراء الآية 44.([19]) سورة الحج الآية 18.([20]) سورة فصلت الآية 33.([21]) سورة يوسف الآية 108.([22]) سورة النحل الآية 125.([23]) نشر في مجلة البحوث الإسلامية العدد 15 ص 257-267.([24]) قوله: (نقول في توحيد الله.. إلخ).اعلم أن التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب ينقسم إلى أقسام ثلاثة، حسب استقراء النصوص من الكتاب والسنة وحسب واقع المكلفين. القسم الأول: توحيد الربوبية: وهو توحيد الله بأفعاله سبحانه، وهو الإيمان بأنه الخالق الرازق المدير لأمور خلقه المتصرف في شئونهم في الدنيا والآخرة لا شريك له في ذلك كما قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}سورة الزمر الآية 62،وقال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ}سورة يونس الآية 3،وهذا النوع قد أقر به المشركون عباد الأوثان وإن جحد أكثرهم البعث والنشور ولم يدخلهم في الإسلام، لشركهم بالله في العبادة وعبادتهم الأصنام والأوثان معه سبحانه وعدم إيمانهم بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم.القسم الثاني: توحيد العبادة ويسمى توحيد الألوهية: وهي العبادة وهذا القسم هو الذي أنكره المشركون فيما ذكر الله عنهم سبحانه بقوله: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ = = هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}،سورة ص الآيتان 4، 5، وأمثالها كثيرة وهذا القسم يتضمن إخلاص العبادة لله وحده. والإيمان بأنه المستحق لها وأن عبادة ما سواه باطلة، وهذا هو معنى لا إله الله فإن معناها لا معبود إلا الله كما قال الله عز وجل:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}،سورة الحج من الآية 62، الآية من سورة الحج. القسم الثالث: توحيد الأسماء والصفات: وهو الإيمان بكل ما ورد في كتاب الله العزيز، وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسماء الله وصفاته، وإثباتها لله سبحانه على الوجه الذي يليق به من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل، كما قال الله سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}،سورة الإخلاص كاملة، وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}سورة الشورى من الآية 11، وقال عز وجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}،سورة الأعراف من الآية 180،وقال سبحانه في سورة النحل: {و |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز السبت أغسطس 13, 2011 4:34 pm | |
| ليجعلوه كائنا لم يقدروا عليه، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، وما أخطأ العبد لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليخطئه.وعلى العبد أن يعلم أن الله قد سبق علمه في كل كائن من خلقه، فقدر ذلك تقديرا محكما مبرما، ليس فيه ناقض ولا معقب ولا مزيل ولا مغير، ولا ناقص ولا زائد من خلقه في سمواته وأرضه، وذلك من عقد الإيمان وأصول المعرفة والاعتراف بتوحيد الله تعالى وبربوبيته، كما قال تعالى في كتابه: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}([1]) وقال تعالى {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}([2]).فويل لمن صار لله تعالى في القدر خصيماً، وأحضر للنظر فيه قلباً سقيماً، لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سراً كتيماً، وعاد بما قال فيه أفاكاً أثيماً. والعرش والكرسي حق، وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه. ونقول: إن الله اتخذ إبراهيم خليلاً، وكلم الله موسى تكليماً، إيماناً وتصديقاً وتسليماً، ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين. ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين، ما داموا بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم معترفين، وله بكل ما قاله وأخبر مصدقين، ولا نخوض في الله، ولا نماري في دين الله، ولا نجادل في القرآن ونشهد أنه كلام رب العالمين نزل به الروح الأمين، فعلمه سيد المرسلين محمدا صلى الله عليه وسلم وهو كلام الله تعالى، لا يساويه شيء من كلام المخلوقين، ولا نقول بخلقه ولا نخالفجماعة المسلمين، ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله([3]).ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله.نرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بالجنة([4])، ونستغفر لمسيئهمونخاف عليهم ولا نقنطهم. والأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة. ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه([5]). والإيمان: هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان([6]).وجميع ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشرع والبيان كله حق. والإيمان واحد([7]) وأهله في أصله سواء، والتفاضل بينهم بالخشيةوالتقى، ومخالفة الهوى وملازمة الأولى، والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن.والإيمان: هو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره وحلوه ومره من الله تعالى. ونحن مؤمنون بذلك كله، لا نفرق بين أحد من رسله، ونصدقهم كلهم على ما جاءوا به. وأهل الكبائر (من أمة محمد صلى الله عليه وسلم) في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين (مؤمنين) وهم في مشيئته وحكمه. إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}([8]) وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته ثم يبعثهم إلى جنته. وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته الذين خابوا من هدايته ولم ينالوا من ولايته.اللهم يا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به. ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم، ولا ننزل أحدا منهم جنة ولا نارا، ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى.ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا من وجب عليه السيف. ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة اللهعز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة، ونتبع السنة والجماعة ونجتنب الشذوذ والخلاف والفرقة، ونحب أهل العدل والأمانة ونبغض أهل الجور والخيانة.ونقول: الله أعلم فيما اشتبه علينا علمه، ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر، كما جاء في الأثر. والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر، من المسلمين برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما.ونؤمن بالكرام الكاتبين فإن الله قد جعلهم علينا حافظين، ونؤمن بملك الموت الموكل بقبض أرواح العالمين، وبعذاب القبر لمن كان له أهلا، وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة رضوان الله عليهم.والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة والعرض والحساب وقراءة الكتاب والثواب والعقاب. والصراط والميزان. والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبدا ولا تبيدان. وأن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق وخلق لهما أهلا، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلا منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلا منه، وكل يعمل لما قد فرغ له وصائر إلى ما خلق له.والخير والشر مقدران على العباد. والاستطاعة. التي يجب بها الفعل من نحو التوفيق الذي لا يجوز أن يوصف المخلوق به فهي مع الفعل. وأما الاستطاعة من جهة الصحة والوسع والتمكن وسلامة الآلات فهي قبل الفعل. وبها يتعلق الخطاب وهو كما قالتعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا}([9]).وأفعال العباد خلق لله، وكسب من العباد، ولم يكلفهم الله تعالى إلا ما يطيقون، ولا يطيقون([10]) إلا ما كلفهم وهو تفسير (لا حول ولا قوة إلا بالله) نقول: لا حيلة لأحد ولا حركة ولا تحول لأحد عن معصية الله إلا بمعونة الله، ولا قوة لأحد على إقامة طاعة الله والثبات عليها إلا بتوفيق الله.وكل شيء يجري بمشيئة الله تعالى وعلمه وقضائه وقدره، غلبت مشيئته المشيئات كلها، وغلب قضاؤه الحيل كلها، يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدا، تقدس عن كل سوء وحين وتنزه عن كل عيب وشين {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}([11]).وفي دعاء الأحياء وصدقاتهم منفعة للأموات، والله تعالى يستجيب الدعوات، ويقضي الحاجات ويملك كل شيء، ولا يملكه شيء، ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين، ومن استغنى عن الله طرفة عين فقد كفر وصار من أهل الحين، والله يغضب ويرضى لا كأحد من الورى. ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.ونثبت الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أولا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم لعثمان رضي الله عنه، ثم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهتدون.وإن العشرة الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشرهم بالجنة نشهد لهم بالجنة على ما شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله الحق. وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح، وهو أمين هذه الأمة، رضي الله عنهم أجمعين.ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس، فقد برئ من النفاق.وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل.ولا نفضل أحدا من الأولياء على أحد من الأنبياء عليهم السلام ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء.ونؤمن بما جاء من كراماتهم وصح عن الثقات من رواياتهم، ونؤمن بأشراط الساعة: من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء، ونؤمن بطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها. ولا نصدق كاهنا ولا عرافا، ولامن يدعى شيئا يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ونرى الجماعة حقا وصوابا، والفرقة زيغا وعذابا، ودين الله في الأرض والسماء واحد، وهو دين الإسلام، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ}([12]) وقال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا}([13]) وهو بين الغلو والتقصير، وبين التشبيه والتعطيل، وبين الجبر والقدر، وبين الأمن والإياس، فهذا ديننا واعتقادنا ظاهرا وباطنا، ونحن برآء إلى الله من كل من خالف الذي ذكرناه وبيناه.ونسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان، ويختم لنا به، ويعصمنا من الأهواء المختلفة والآراء المتفرقة والمذاهب الردية، مثل المشبهة، والمعتزلة، والجهمية، والجبرية، والقدرية، وغيرهم من الذين خالفوا السنة والجماعة، وحالفوا الضلالة ونحن منهم برآء وهم عندنا ضلال وأردياء. وبالله العصمة والتوفيق.[انتهت العقيدة الطحاوية غفر الله لمؤلفها، ونفع بها عباده].معنى المعية والقيام من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم زاده الله من العمل والإيمان آمين. سلام عليكم ورحمة الله وبركاتهكتابكم الكريم المؤرخ 9/4/1374هـ وصل وصلكم الله بحبل الهدى والتوفيق وكذا كتابكم الثاني وصل، وقد أخرنا الجواب رجاء أن يتيسر لنا فرصة نبسط لكم فيها الجواب ولكن بسبب تزاحم الشغل وضيق الوقت بالدروس المتعلقة بالمعهد وغيره لم يتيسر بسط الجواب في هذه الرسالة عما تضمنه كتابكم الأول من المسائل الأربع وهأنذا أذكر لكم جواب بعضها وأرجئ الباقي إلى وقت العطلة وأرجو إشعارنا بمحلكم بعد انتهاء الدراسة لإرسال بقية الجواب وفقني الله وإياك لمعرفة الحق واتباعه وأعاذنا وسائر المسلمين من مضلات الفتن إنه سميع قريب.أما سؤلكم عن معنى المعية فالجواب أن الله سبحانه ذكر في كتابه معيتين: عامة، وخاصة. الأولى في قوله سبحانه: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}([14]) والثانية في قوله سبحانه: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}([15])، {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}([16]). وما أشبههما من الآيات والذي عليه أهل السنة في ذلك أن الله سبحانه موصوف بالمعية على الوجه الذي يليق بجلاله مع إثباتاستوائه على عرشه وعلوه فوق جميع خلقه وتنزيهه عن مخالطته للخلق فهو سبحانه عليٌّ في دنوه قريب في علوِّه فوصفه بالمعية لا ينافي وصفه بالعلو على الوجه الذي يليق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته ولما كانت الجهمية والمعتزلة يحتجون بآيات المعية على إنكار العلو ويزعمون أنه سبحانه بكل مكان أنكر عليهم السلف ذلك وقالوا: إن هذه المعية تقتضي علمه بأحوال عباده واطلاعه عليهم مع كونه فوق العرش، ولهذا بدأ آيات المعية العامة بالعلم وختمها بالعلم؛ تنبيهاً لعباده على أن مراده سبحانه من إخباره بالمعية إشعار عباده بأنه يعلم أحوالهم ويطلع عليهم، ولهذا فسر أكثر السلف آيات المعية بالعلم، وحكى بعض أهل العلم إجماع أهل السنة على تفسير آيات المعية بالعلم وإبطال رأي الجهمية والمعتزلة في تفسيرها بأنه في كل مكان، وإنكارهم العلو والاستواء – قاتلهم الله أنى يؤفكون – وبهذا تعلم أن تفسير المعية بالعلم ليس هو قول الشيخ تقي الدين وحده بل هو قول أهل السنة، وقد ذكر رحمه الله في الواسطية ما يدل على وجوب الإيمان بأن وصف الله سبحانه بالعلو والمعية حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة إلى آخره فراجعه إن شئت، ومراده رحمه الله أنه يجب إثبات المعية والعلو فوق العرش على وجه يليق بالله لا يشابه فيه خلقه.قال الحافظ بن كثير في تفسير قوله تعالى: { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ}([17]) الآية ما نصه: "ولهذا حكى غير واحد الإجماع على أن المراد بهذهالآية معية علمه تعالى ولا شك في إرادة ذلك" انتهى.ولا ينافي ذلك تفسير المعية بالعلم؛ لأن ذلك هو مقتضاها ولازمها فهي حق ومقتضاها: علم الله بأحوال عباده واطلاعه عليهم، وأما كيفيتها فلا يعلمها إلا الله كسائر الصفات، فإن أهل السنة يؤمنون بأسماء الله وصفاته ويعلمون معانيها، ولكن لا يعلمون كيفيتها بل لا يعلم كيفية صفاته إلا هو، كما لا يعلم كيفية ذاته إلا هو تعالى وتقدس عما يقوله النفاة والمشبهون علوا كبيرا، ولهذا قال مالك رحمه الله وغيره من أهل السنة: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب.وهكذا يقال في سائر الصفات والله أعلموأما القيام عند دخول الأستاذ فظاهر الأحاديث الصحيحة يدل على كراهته أو تحريمه، كحديث أنس رضي الله عنه قال: (لم يكن أحد أحب إليهم – يعني الصحابة – من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا لا يقومون إذا رأوه لما يعلمون من كراهيته لذلك) رواه أحمد والترمذي، وقال حسن صحيح غريب.ولا ينبغي للأستاذ أن يرضى من الطلبة بذلك، لحديث معاوية رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال: " ((من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار)) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد جيد وقد حسنه الترمذي، وأخرج أبو داود بإسناد فيه ضعف عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا إليه فقال: ((لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا)) وأخرجه أيضا أحمد وابن ماجه، وذكر هذه الأحاديث الحافظ محمد بن مفلح في (الآداب الشرعية) صفحة464 و 465 المجلد الأول، وقد استثنى بعض أهل العلم من هذه الأحاديث القيام للقادم من السفر للسلام عليه ومصافحته أو معانقته، وكذا من طالت غيبته، واستثنى بعضهم قيام الولد لأبيه لإكرامه والأخذ بيده، وقيام الوالد لولده إذا كان أهلا لذلك، والمراد القيام للسلام والمصافحة، وهذا الاستثناء صحيح، وقد دلت عليه السنة الصحيحة، منها ما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للصحابة لما قدم سعد بن معاذ للحكم في بني قريظة: ((قوموا إلى سيدكم)) والمراد: القيام للسلام عليه وإنزاله عن دابته، وفي الصحيحين أيضا عن كعب بن مالك " أنه لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد والناس حوله لما أنزل الله توبته، قام إليه طلحة بن عبيد الله يهرول فصافحه وهناه بتوبة الله عليه، ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم". وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها: ((كانت فاطمة رضي الله عنها إذا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قامت إليه فأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها، وإذا دخلت عليه قام إليها النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه)) فهذه الأحاديث صريحة في جواز مثل هذا وأنه لا يدخل في القيام المكروه، وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من القيام للأستاذ ونحوه كلما دخل عليهم لتعظيمه لا للمصافحة ونحوها، وإنما يقفون ثم يجلسون تعظيما له واحتراما، فلا شك في كراهة ذلك وإنكاره، وأنه لا يجوز للأستاذ ونحوه أن يرضى بذلك لما تقدم في حديث معاوية وغيره، وأحق الناس بامتثال السنة والتأدب بآدابها هم العلماء والمعلمون وطلاب العلم ورؤساء الناس وأعيانهم، لأنالناس يقتدون بهم، فإذا عظموا السنة عظمها الناس، وإذا تهاونوا بها تهاون بها الناس، ونبينا صلى الله عليه وسلم نأنهو خير الناس وأفضلهم وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام وكان لا يرضى أن يقام له بل كره ذلك ونهى الصحابة عنه خوفا عليهم من الغلو ومشابهة الأعاجم في القيام لرؤسائهم وعظمائهم، والله سبحانه يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}([18])وفقنا الله وإياك للعلم النافع، والعمل به والدعوة إليه. وباقي الجواب يأتيك إن شاء الله في العطلة، والله يتولانا وإياك والسلام.بيان مذهب أهل السنة في الاستواء([19]) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد: فقد اطلعت أخيرا على ما نشر في مجلة البلاغ بعددها رقم 637 من إجابة الشيخ أحمد محمود دهلوب على السؤال الآتي: (ما تفسير قول الله تعالى: {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}([20]) وجاء في هذه الإجابة جملة نسبها إلى السلف وهي قوله: وقال السلف: استوى على العرش أي: استولى عليه وملكه كقولهم:استوى بشر على العراق
|
| من غير سيف أو دم مهراق
|
وحيث أن هذه النسبة إلى السلف غلط محض. أحببت التنبيه على ذلك لئلا يغتر من يراها فيظنها من قول العلماء المعتبرين، والصواب: أن هذا التفسير هو تفسير الجهمية والمعتزلة ومن سلك سبيلهم في نفي الصفات، وتعطيل الباري سبحانه وتعالى عما وصف به نفسه من صفات الكمال.وقد أنكر علماء السلف رحمهم الله مثل هذا التأويل وقالوا: القول في الاستواء كالقول في سائر الصفات، وهو إثبات الجميع لله على الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، قال الإمام مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة).وعلى هذا درج علماء السلف من أهل السنة والجماعة رحمهم الله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الرسالة الحموية: (فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها ثم عامة كلام الصحابة والتابعين ثم كلام سائر الأئمة مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى وهو فوق كل شيء وهو عال على كل شيء وأنه فوق العرش وأنه فوق السماء مثل قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}([21])، {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}([22])، {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ}([23])، {أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا}([24])، {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ}([25])، {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ}([26])، {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}([27])، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}([28]) في سبعة مواضع إلى أن قال: إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى إلا بالكلفة وفي الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى إلا بالكلفة مثل قصة معراج الرسول إلى ربه ونزول الملائكة من عند الله وصعودها إليه وقوله في الملائكة الذين يتعاقبون فيكم بالليل والنهار. فيعرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم فيسألهم وهو أعلمبهم وفي الصحيح في حديث الخوارج ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء)) إلى أن قال: (إلى أمثال ذلك مما لا يحصيه إلا الله مما هو من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية التي تورث علماً يقيناً من أبلغ العلوم الضرورية أن الرسول المبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوين أن الله سبحانه على العرش وأنه فوق السماء كما فطر الله على ذلك جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته، ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو ألوفاً إلخ) أ.هـ.وبما ذكرناه يتضح للقراء أن ما نسبه أحمد محمود دهلوب إلى السلف من تفسير الاستواء بالاستيلاء غلط كبير وكذب صريح لا يجوز الالتفات إليه، بل كلام السلف الصالح في ذلك معلوم ومتواتر، وهو ما أوضحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسير الاستواء بالعلو فوق العرش، وأن الإيمان به واجب، وأن كيفيته لا يعلمها إلا الله سبحانه، وقد روي هذا المعنى عن أم سلمة أم المؤمنين، وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك رحمه الله، وهو الحق الذي لا ريب فيه، وهو قول أهل السنة والجماعة بلا ريب. وهكذا القول في باقي الصفات من السمع والبصر والرضى والغضب واليد والقدم والأصابع والكلام والإرادة وغير ذلك. كلها يقال فيها إنها معلومة من حيث اللغة العربية، فالإيمان بها واجب والكيف مجهول لنا لا يعلمه إلا الله سبحانه، مع الإيمان أن صفاته سبحانه كلها كاملة، وأنه سبحانه لا يشبه شيئا من خلقه، فليسعلمه كعلمنا، ولا يده كأيدينا، ولا أصابعه كأصابعنا، ولا رضاه كرضانا إلى غير ذلك، كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([29]) وقال تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}([30]) وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}([31]) والمعنى: أنه لا أحد يساميه سبحانه، أي: يشابهه، وقال عز وجل: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}([32]) والآيات في هذا المعنى كثيرة، والواجب على المؤمن التمسك بما أخبر الله به ورسوله، ودرج عليه سلف الأمة من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، والحذر من مقالات أهل البدع الذين أعرضوا عن الكتاب والسنة، وحكَّموا أفكارهم وعقولهم فضلوا وأضلوا، والله المسئول أن يحفظنا وجميع المسلمين من مضلات الفتن، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من نزغات الشيطان واتباع خطواته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. تعقيب وتوضيح على مقالة الدكتور محيي الدين الصافيبعنوان(من أجل أن نكون أقوى أمة) عن صفات اللهالحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد.فقد اطلعت على ما نشر في صحيفة الشرق الأوسط في عددها 3383 الصادر في 3 / 4 / 1408 هـ بقلم الدكتور محيي الدين الصافي بعنوان (من أجل أن نكون أقوى أمة). وقد لفت نظري ما ذكره عن اختلاف السلف والخلف في بعض صفات الله وهذا نص كلامه:(إلا أنه وردت في القرآن الكريم آيات تصف الله تعالى ببعض صفات المخلوقين، من مثل قوله تعالى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}([33]) {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ}([34]) {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}([35]) وللعلماء في فهم هذه الآيات طريقتان: الأولى طريقة السلف، وهي: أن نثبت لله تعالى ما أثبت لنفسه، ولكن من غير تكييف ولا تمثيل ولا تعطيل واضعين نصب أعينهم عدم تعطيل الذات الإلهية عن الصفات، معجزمهم بأن ظاهر هذه الآيات غير مراد، وأن الأصل تنزيه الله تعالى عن كل ما يماثل المخلوقين لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([36]).أما طريقة الخلف، فهي: تأويل هذه الكلمات وصرفها عن ظاهرها إلى المعنى، فتكون اليد بمعنى القدرة، والوجه بمعنى الذات، والاستواء بمعنى الاستيلاء والسيطرة ونفوذ الأمر؛ لأنه قام الدليل اليقيني على أن الله ليس بجسم ولقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([37]) وكل من الطريقتين صحيحة، مذكورة في الكتب المعتمدة للعلماء الأعلام. إلخ.وقد أخطأ -عفا الله عنا وعنه- في نسبته للسلف (جزمهم بأن ظاهر هذه الآيات غير مراد) فالسلف رحمهم الله، ومن سار على نهجهم إلى يومنا هذا، يثبتون لله ما أثبته لنفسه من صفات الكمال، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم ويعتقدون حقيقتها اللائقة بجلاله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا تأويل لها عن ظاهرها ولا تفويض.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة الفتوى الحموية. ما نصه: (روى أبو بكر البيهقي في الأسماء والصفات بإسناد صحيح عن الأوزاعي قال: كنا -والتابعون متوافرون- نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من الصفات، فقد حكى الأوزاعي وهو أحد الأئمة الأربعة في عصر تابعي التابعين الذين هم: مالك إمام أهل الحجاز، والأوزاعي إمام أهل الشام، والليث إمام أهل مصر، والثوري إمام أهل العراق،حكى شهرة القول في زمن التابعين بالإيمان بأن الله تعالى فوق العرش، وبصفاته السمعية، وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور مذهب جهم المنكر لكون الله فوق عرشه، والنافي لصفاته ليعرف الناس أن مذهب السلف كان يخالف هذا.وروى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال: سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث فقالا: أمرُّوها كما جاءت. وروي أيضا عن الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات فقالوا: أمروها كما جاءت، وفي رواية قالوا: أمروها كما جاءت بلا تكييف، وقولهم رضي الله عنهم: أمروها كما جاءت رد على المعطلة، وقولهم: بلا كيف رد على الممثلة.والزهري ومكحول هما أعلم التابعين في زمانهما، والأربعة الباقون أئمة الدنيا في عصر تابعي التابعين ومن طبقاتهم حماد بن زيد، وحماد ابن سلمة وأمثالهما) إلى أن قال رحمه الله (وروى الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة، قال: سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ المبين، وعلينا التصديق. وهذا الكلام مروي عن مالك بن أنس تلميذ ربيعة بن أبي عبد الرحمن من غير وجه (ومنها) ما رواه الشيخ الأصبهاني وأبو بكر البيهقي عن يحيى ابن يحيى قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه ([1]) سورة الفرقان الآية 2.([2]) سورة الأحزاب الآية 38.([3]) قوله: (ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله) مراده رحمه الله: أن أهل السنة والجماعة لا يكفرون المسلم الموحد المؤمن بالله واليوم الآخر بذنب يرتكبه، كالزنا وشرب الخمر والربا وعقوق الوالدين وأمثال ذلك ما لم يستحل ذلك، فإن استحله كفر لكونه بذلك مكذبا لله ورسوله خارجا عن دينه أما إذا لم يستحل ذلك فإنه لا يكفر عند أهل السنة والجماعة بل يكون ضعيف الإيمان، وله حكم ما تعاطاه من المعاصي في التفسيق وإقامة الحدود وغير ذلك حسبما جاء في الشرع المطهر، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سلك مسلكهم الباطل، فإن الخوارج يكفرون بالذنوب والمعتزلة يجعلونه في منزلة بين المنزلتين يعني بين الإسلام والكفر في الدنيا وأما في الآخرة فيتفقون مع الخوارج بأنه مخلد في النار، وقول الطائفتين باطل بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وقد التبس أمرهما على بعض الناس لقلة علمه، ولكن أمرهما بحمد الله واضح عند أهل الحق كما بينا وبالله التوفيق.([4]) مراده رحمه الله: إلا من شهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة كالعشرة ونحوهم، كما يأتي ذلك في آخر كلامه. مع العلم بأن من عقيدة أهل السنة والجماعة الشهادة للمؤمنين والمتقين على العموم بأنهم من أهل الجنة، وأن الكفار والمشركين والمنافقين من أهل النار، كما دلت على ذلك الآية الكريمات والسنة المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قوله سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ}سورة الطور الآية 17، وقوله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا}سورة التوبة الآية 72، في آيات كثيرات تدل على هذا المعنى وقوله سبحانه في الكفار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}،سورة فاطر الآية 36، وقوله سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا}،سورة النساء الآية 145، في آيات أخرى تدل على هذا المعنى. وبالله التوفيق.([5]) هذا الحصر فيه نظر فإن الكافر يدخل في الإسلام بالشهادتين إذا كان لا ينطق بهما، فإن كان ينطق بهما دخل الإسلام بالتوبة مما أوجب كفره، وقد يخرج من الإسلام بغير الجحود لأسباب كثيرة بينها أهل العلم في باب حكم المرتد، من ذلك طعنه في الإسلام أو في النبي صلى الله عليه وسلم أو استهزاؤه بالله ورسوله أو بكتابه أو بشيء من شرعه سبحانه لقوله سبحانه: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}سورة التوبة الآيتان 65-66، ومن ذلك عبادته للأصنام أو الأوثان أو دعوته الأموات والاستغاثة بهم وطلبه منهم المدد والعون ونحو ذلك؛ لأن هذا يناقض قول لا إله إلا الله لأنها تدل على أن العبادة حق لله وحده، ومنها الدعاء والاستغاثة والركوع والسجود والذبح والنذر ونحو ذلك، فمن صرف منها شيئا لغير الله من الأصنام والأوثان والملائكة والجن وأصحاب القبور وغيرهم من المخلوقين فقد أشرك بالله ولم يحقق قول لا إله إلا الله، وهذه المسائل كلها تخرجه من الإسلام بإجماع أهل العلم، وهي ليست من مسائل الجحود وأدلتها معلومة من الكتاب والسنة، وهناك مسائل أخرى كثيرة يكفر بها المسلم وهي لا تسمى جحوداً وقد ذكرها العلماء في باب حكم المرتد فراجعها إن شئت. وبالله التوفيق.([6]) هذا التعريف فيه نظر وقصور والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة أكثر من أن حصر، وقد ذكر الشارح ابن أبي العز جملة منها فراجعها إن شئت، وإخراج العمل من الإيمان هو قول المرجئة، وليس الخلاف بينهم وبين أهل السنة فيه لفظيا بل هو لفظي ومعنوي ويترتب عليه أحكام كثيرة يعلمها من تدبر كلام أهل السنة وكلام المرجئة، والله المستعان.([7]) قوله: (والإيمان واحد وأهله في أصله سواء) هذا فيه نظر بل هو باطل، فليس أهل الإيمان فيه سواء بل هم متفاوتون تفاوتا عظيما، فليس إيمان الرسل كإيمان غيرهم، كما أنه ليس إيمان الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة رضي الله عنهم مثل إيمان غيرهم، وهكذا ليس إيمان المؤمنين كإيمان الفاسقين؛ وهذا التفاوت بحسب ما في القلب من العلم بالله وأسمائه وصفاته وما شرعه لعباده، وهو قول أهل السنة والجماعة خلافا للمرجئة ومن قال بقولهم، والله المستعان.([8]) سورة النساء الآية 48 والآية 116.([9]) سورة البقرة الآية 286.([10]) هذا غير صحيح بل المكلفون يطيقون أكثر |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز السبت أغسطس 13, 2011 4:35 pm | |
| حتى علاه الرحضاء ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وما أراك إلا مبتدعا فأمر به أن يخرج.فقول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، موافق لقول الباقين: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا على علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول.ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل يكون مجهولا بمنزلة حروف المعجم، وأيضا فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذ لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات.وأيضا فإن من ينفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقا لا يحتاج إلى أن يقول بلا كيف، فمن قال أن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا بلا كيف، وأيضا فقولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منفية لكان الواجب أن يقال أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ بلا كيف أو نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول) ا هـ.فهذا هو مذهب السلف في هذه المسألة وهو واضح في أنهميثبتون لله سبحانه ما أثبته لنفسه في كتابه من صفات الكمال، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، وأن ما تدل عليه الآيات والأحاديث الصحيحة مراد ومفهوم، ولكنهم لا يؤولونها ولا يكيفونها بل يكلون علم الكيفية لله سبحانه، ويعتقدون تنزيه الله سبحانه عن مماثلة المخلوقين. كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([1]) وكما قال عز وجل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}([2]).أما قوله: (أما طريقة الخلف فهي تأويل هذه الكلمات وصرفها عن ظاهرها) إلى قوله: (وكل من الطريقتين صحيحة مذكورة في الكتب المعتمدة للعلماء الأعلام) ا هـ.أقول: هذا خطأ عظيم فليست كلتا الطريقتين صحيحة، بل الصواب أن طريقة السلف هي الصحيحة وهي الواجبة الاتباع؛ لأنها عمل بالكتاب والسنة، وتمسك بما درج عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان من التابعين ومن تبعهم من الأئمة الأعلام، وفيها تنزيه الله سبحانه وتعالى عن صفات النقص بإثبات صفات الكمال وتنزيه الله سبحانه عن صفات الجمادات والناقصات والمعدومات، وهذا هو الحق، أما تأويلها على ما يقول علماء الخلف من أصحاب الكلام فهو خلاف الحق، وهو تحكيم للعقل الناقص، وقول على الله بلا علم، وفيه تعطيل الله جل وعلا من صفات الكمال، فهم فروا من التشبيه المتوهم في أذهانهم ووقعوا في التعطيل الذي هو فيالحقيقة تشبيه لله سبحانه بالجمادات والمعدومات والناقصات كما تقدم، وتجريد له سبحانه من صفات الكمال التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، ونص عليها سبحانه في كتابه الكريم، وتمدح بها إلى عباده، وأرسل بها أفضل رسله وخاتم أنبيائه وفطر عليها الخلق.ولو أن هؤلاء المتكلمين المتأولين ساروا على مذهب السلف الصالح، وأثبتوا لله صفات الكمال على الوجه اللائق بالله سبحانه، واكتفوا بنفي التكييف والتمثيل لأصابوا الحق، وفازوا بالسلامة من مخالفة الرسل، وتحكيم العقول التي لم تحط به علما.والخلاصة: أن مذهب السلف هو الحق الذي يجب إتباعه والقول به، وأما ما ذهب إليه بعض علماء الخلف من تأويل نصوص صفات الله جل وعلا فهو باطل مخالف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه سلف الأمة.فالواجب العدول عنه، والوقوف عند نصوص الكتاب والسنة وإثبات ما أثبتته ونفي ما نفته، مع الإيمان بأن ما دلت عليه من المعاني حق ثابت لله سبحانه، لا يشابهه فيه أحد من خلقه كما تقدم.وقوله: (قام الدليل اليقيني على أن الله ليس بجسم) هذا الكلام لا دليل عليه؛ لأنه لم يرد في الكتاب ولا في السنة وصف الله سبحانه بذلك أو نفيه عنه، فالواجب السكوت عن مثل هذا؛ لأن مأخذ صفات الله جل وعلا توقيفي لا دخل للعقل فيه، فيوقف عند حد ما ورد في النصوص من الكتاب والسنة.وبهذا يتضح خطأ قول الدكتور محيي الدين الصافي ما نصه: (لذا فإن علينا أن نتفق أن من ذهب من علماء المسلمين في العالم الإسلامي الآن إلى الأخذ بإحدى الطريقتين فهو على صواب) إلى آخر ما قال؛ لأن الحق كما ذكرنا هو ما ذهب إليه السلف رحمهم الله، وما خالفه يعتبر باطلا يجب تركه وبيان بطلانه وإظهار الحق للناس، وهو من التعاون على البر والتقوى، ومن إنكار المنكر، ومن الدعوة إلى الحق.والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، والسير على ما دل عليه كتاب الله العزيز وسنة رسوله الناصح الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، وعلى ما درج عليه سلف الأمة في باب أسماء الله وصفاته وفي جميع أبواب الدين، وأن يوفق أخانا الدكتور محيي الدين الصافي للرجوع إلى الحق والتمسك به وترك ما خالفه، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. إجابة عن سؤال حول علو الله تعالىمن عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم محمد ابن أحمد سندي، وفقه الله، وزاده من العلم والإيمان. آمين / سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، كتابكم المطول المؤرخ بدون وصل وصلكم الله بهداه، وما تضمنه من الأمور الآتية:1- قولك في صدر الكتاب: (الله منزه عن الجهة ولا يحيط به مكان).2- قولك: (لفت نظري واسترعى انتباهي وأنا أتصفح كتاب (صراع بين الحق والباطل) للأستاذ سعد صادق، ثم ذكرت ما احتج به على علو الله من الآيات والأحاديث... إلى أن قلت ولست أدري ما الذي يجنيه ذلك المؤلف وأمثاله من هذا الاعتقاد الذي يكون في الغالب مثاراً للفتن والاضطرابات وتفريق الصفوف... إلى أن قلت: وخاصة وأن العامة يتمسكون بما في هذا الكتاب، ويعتقدون بأن الله موجود في السماء) إلخ، ثم ذكرت في آخر هذا الكتاب أنك نقلت كلام الرازي والقرطبي والصاوي للإحاطة ولعلي أرد عليها.والذي يظهر لي من كتابك هذا أنك لست متبصرا في أمر العقيدة في باب الأسماء والصفات، وأنك في حاجة إلى بحث خاص وعناية بما يوضح لك العقيدة الصحيحة، وعليه فاعلم بارك الله فيك أن أهل السنة والجماعة من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان مجمعون على أن الله في السماء، وأنه فوق العرش، وأنالأيدي ترفع إليه سبحانه كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث الصحيحة، كما أجمعوا أنه سبحانه غني عن العرش وعن غيره، وأن جميع المخلوقات كلها فقيرة إليه، كما أجمعوا أنه سبحانه في جهة العلو فوق العرش، وفوق جميع المخلوقات، وليس في داخل السموات -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- بل هو سبحانه وتعالى فوق جميع المخلوقات، وقد استوى على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته ولا يشابه خلقه في ذلك ولا في شيء من صفاته، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن الاستواء، قال: (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة) يعني عن كيفية الاستواء، وهكذا قال أهل السنة في جميع الصفات مثل قول مالك المعاني معلومة على حسب ما تقتضيه اللغة العربية التي خاطب الله بها العباد، والكيف مجهول وتلك المعاني معان كاملة ثابتة موصوف بها ربنا سبحانه لا يشابه فيها خلقه، والكلام في هذا يحتاج إلى مزيد بسط، وسنفعل ذلك إن شاء الله بعد وصولنا إلى المدينة، ونقرأ عليك كتابك، وننبهك على ما فيه من أخطاء، ونوصيك بتدبر القرآن الكريم والإيمان بأن جميع ما دل عليه حق لائق بالله سبحانه فيما يتعلق بباب الأسماء والصفات.كما أن جميع ما دل عليه حق في جميع الأبواب الأخرى، ولا يجوز تأويل الصفات، ولا صرفها عن ظاهرها اللائق بالله، ولا تفويضها، بل هذا كله من اعتقاد أهل البدع، أما أهل السنة والجماعة فلا يؤولون آيات الصفات وأحاديثهاولا يصرفونها عن ظاهرها ولا يفوضونها، بل يعتقدون أن جميع ما دلت عليه من المعنى كله حق ثابت لله لائق به سبحانه لا يشابه فيه خلقه، كما قال سبحانه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا}([3]) وقال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}([4]) فنفى عن نفسه مماثلة الخلق وأثبت لنفسه السمع والبصر على الوجه اللائق به وهكذا بقية الصفات.ونوصيك أيضا بمطالعة جواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماة، وجوابه لأهل تدمر، ففي الجوابين خير عظيم وتفصيل لكلام أهل السنة ونقل لبعض كلامهم ولا سيما الحموية، كما أن فيهما الرد الكافي على أهل البدع.ونوصيك أيضا بمطالعة (القصيدة النونية) و(مختصر الصواعق المرسلة) وكلاهما للعلامة ابن القيم رحمه الله، وفيهما من البيان والإيضاح لأقوال أهل السنة، والرد على أهل البدع ما لعلك لا تجده في غيرهما، مع التحقيق والعناية بإيضاح الأدلة من الكتاب والسنة وكلام سلف الأمة.والله المسئول أن يوفقنا وإياك للعلم النافع والعمل الصالح، وأن يمنحنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعا من زيغ القلوب ومضلات الفتن إنه سميع قريب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.حكم الاستغاثة بغير الله سبحانه([5]) الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فقد نشرت صحيفة المجتمع الكويتية في عددها 15 الصادر في 19/4/1390هـ. أبياتا تحت عنوان (في ذكرى المولد النبوي الشريف) تتضمن الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم والاستنصار به لإدراك الأمة ونصرها وتخليصها مما وقعت فيه من التفرق والاختلاف بإمضاء من سمت نفسها (آمنة) وهذا نص الأبيات المشار إليها:يا رسول الله أدرك عالماً
|
| يشعل الحرب ويصلى من لظاها
| يا رسول الله أدرك أمة
|
| في ظلام الشك قد طال سراها
| يا رسول الله أدرك أمة
|
| في متاهات الأسى ضاعت رؤاها
|
إلى أن قالت:يا رسول الله أدرك أمة
|
| في ظلام الشك قد طال سراها
| عجل النصر كما عجلته
|
| يوم بدر حين ناديت الإله
| فاستحال الذل نصرا رائعا
|
| إن لله جنودا لا تراها
|
هكذا توجه هذه الكاتبة نداءها واستغاثتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم طالبة منه إدراك الأمة بتعجيل النصر، ناسية أو جاهلة أن النصر بيد الله وحده ليس ذلك بيد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره من المخلوقات كما قال الله سبحانه في كتابه المبين: {وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} وقال عز وجل: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}. وقد علم بالنص والإجماع أن الله سبحانه خلق الخلق ليعبدوه وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان تلك العبادة والدعوة إليها كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}([6]) وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ}([7]) وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}([8]) وقال عز وجل: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِير وبشيرٌ}([9]). فأوضح سبحانه في هذه الآيات المحكمات أنه لم يخلق الثقلين إلا ليعبدوه وحده لا شريك له، وبين أنه أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للأمر بهذه العبادة والنهيعن ضدها، وأخبر عز وجل أنه أحكم آيات كتابه وفصلها لئلا يعبد غيره سبحانه، والعبادة: هي توحيده وطاعته بامتثال أوامره وترك نواهيه، وقد أمر الله بذلك في آيات كثيرات منها، قوله سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}([10]) الآية. وقوله عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ}([11]) وقوله سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}([12]) والآيات في هذا المعنى كثيرة، كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده وترك عبادة ما سواه من الأنبياء وغيرهم. ولا ريب أن الدعاء من أهم أنواع العبادة وأجمعها فوجب إخلاصه لله وحده، كما قال عز وجل: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}([13]) وقال عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}([14]) وهذا يعم جميع المخلوقات من الأنبياء وغيرهم؛ لأن (أحدا) نكرة في سياق النهي فتعم كل من سوى الله سبحانه. وقال تعالى: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ}([15]) وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن الله سبحانه قد عصمه من الشرك وإنما المراد من ذلك تحذير غيره. ثم قال عز وجل: {فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}([16]) فإذا كان سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام لو دعا غير الله يكون من الظالمين فكيف بغيره، والظلم إذا أطلق يراد بهالشرك الأكبر، كما قال الله سبحانه: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}([17]) وقال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}([18]) فعلم بهذه الآيات وغيرها أن دعاء غير الله من الأموات والأشجار والأصنام وغيرها شرك بالله عز وجل، ينافي العبادة التي خلق الله الثقلين من أجلها، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها، وهذا هو معنى لا إله إلا الله فإن معناها لا معبود حق إلا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبتها لله وحده، كما قال الله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}([19]) وهذا هو أصل الدين وأساس الملة ولا تصح العبادات إلا بعد صحة هذا الأصل كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}([20]) وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}([21]).ودين الإسلام مبني على أصلين عظيمين أحدهما أن لا يعبد إلا الله وحده، والثاني: أن لا يعبد إلا بشريعة نبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن دعا الأموات من الأنبياء وغيرهم، أو دعا الأصنام أو الأشجار أو الأحجار، أو غير ذلك من المخلوقات، أو استغاث بهم أو تقرب إليهم بالذبائح والنذور أو صلى لهم أو سجد لهم، فقد اتخذهم أربابا من دون الله وجعلهم أندادا له سبحانه، وهذا يناقض هذا الأصلوينافي معنى لا إله إلا الله، كما أن من ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله لم يحقق معنى شهادة أن محمدا رسول الله، وقد قال الله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}([22]) وهذه هي أعمال من مات على الشرك بالله عز وجل، وهكذا الأعمال المبتدعة التي لم يأذن بها الله فإنها تكون يوم القيامة هباء منثورا؛ لكونها لم توافق شرعه المطهر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته.وهذه الكاتبة قد وجهت استغاثتها ودعاءها للرسول صلى الله عليه وسلم وأعرضت عن رب العالمين الذي بيده النصر والضر والنفع وليس بيد غيره شيء من ذلك، ولا شك أن هذا ظلم عظيم وشرك وخيم، وقد أمر الله عز وجل بدعائه سبحانه ووعد من يدعوه بالاستجابة وتوعد من استكبر عن ذلك بدخول جهنم، كما قال عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}([23]) أي: صاغرين ذليلين، وقد دلت هذه الآية الكريمة على أن الدعاء عبادة، وعلى أن من استكبر عنه فمأواه جهنم. فإذا كانت هذه حال من استكبر عن دعاء الله فكيف تكون حال من دعا غيره وأعرض عنه وهو سبحانه القريب المجيب، المالك لكل شيء، والقادر على كل شيء، كما قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}([24]) وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن الدعاء: هو العبادة، وقال لابنعمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله)) أخرجه الترمذي وغيره، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من مات وهو يدعو لله ندا دخل النار)) رواه البخاري، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل((أي الذنب أعظم قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك)) والند: هو النظير والمثيل لكل من دعا غير الله، أو استغاث به، أو نذر له، أو ذبح له، أو صرف له شيئا من العبادة سوى ما تقدم فقد اتخذه ندا لله سواء كان نبيا أو وليا أو ملكا أو جنيا أو صنما أو غير ذلك من المخلوقات، أما سؤال الحي الحاضر ما يقدر عليه والاستعانة به في الأمور الحسية التي يقدر عليها، فليس ذلك من الشرك، بل ذلك من الأمور العادية الجائزة بين المسلمين، كما قال تعالى في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}([25]) وكما قال تعالى في قصة موسى أيضا: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}([26]) وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب وغيرها من الأمور التي تعرض للناس ويحتاجون فيها إلى أن يستعين بعضهم ببعض، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ الناس أنه لا يملك لأحد نفعا ولا ضرا فقال في سورة الجن: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا}([27]) وقال تعالى في سورة الأعراف: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}([28]) والآيات في هذا المعنى كثيرة، وهو صلى الله عليه وسلم لا يدعو إلاربه ولا يستغيث إلا به، وكان يوم بدر يستغيث بالله ويستنصره على عدوه ويلح في ذلك، ويقول: ((يا رب أنجز لي ما وعدتني)) حتى قال الصديق الأكبر أبو بكر رضي الله عنه: (حسبك يا رسول الله فإن الله منجز لك ما وعدك) وأنزل الله سبحانه في ذلك قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}([29]) فذكرهم سبحانه في هذه الآيات استغاثتهم به وأخبر أنه استجاب لهم بإمدادهم بالملائكة، ثم بين سبحانه أن النصر ليس من الملائكة وإنما أمدهم بهم للتبشير بالنصر والطمأنينة وبين أن النصر من عنده فقال: {وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}، وقال عز وجل في سورة آل عمران: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}([30]) فبين في هذه الآية أنه سبحانه هو الناصر لهم يوم بدر فعلم بذلك أن ما أعطاهم من السلاح والقوة، وما أمدهم به من الملائكة كل ذلك من أسباب النصر والتبشير والطمأنينة وليس النصر منها، بل هو من عند الله وحده، فكيف يجوز لهذه الكاتبة أو غيرها أن توجه استغاثتها وطلبها النصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتعرض عن رب العالمين المالك لكل شيء والقادر على كل شيء.لا شك أن هذا من أقبح الجهل، بل من أعظم الشرك، فالواجب على الكاتبة أن تتوب إلى الله سبحانه توبة نصوحا وذلك بالندم على ما وقع منها والإقلاع منه والعزم على عدم العود إليه، تعظيما لله،وإخلاصا له، وامتثالا لأمره، وحذرا مما نهى عنه، هذه هي التوبة النصوح، وإذا كانت من حق المخلوقين وجب في التوبة أمر رابع هو رد الحق إلى مستحقه أو تحلله منه، وقد أمر الله سبحانه عباده بالتوبة ووعدهم قبولها كما قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}([31]) وقال في حق النصارى: {أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([32]) وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}([33]) وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}([34]) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تجب ما كان قبلها)) ولعظم خطر الشرك وكونه أعظم الذنوب وخشية الاغترار بما صدر من هذه الكاتبة، ولوجوب النصح لله ولعباده حررت هذه الكلمة الموجزة.واسأل الله عز وجل أن ينفع بها، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين جميعا، وأن يمن علينا جميعا بالفقه في الدين والثبات عليه، وأن يعيذنا وجميع المسلمين من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. تنبيه على مسألة الحلف بغير الله([35])لله سبحانه وتعالى أن يقسم بما شاءمن مخلوقاته على ما شاء منها، ولا يجوز لمخلوق كائنا من كان أن يحلف ويقسم بغيره جل وعلا.فإن الله شرع لعباده المؤمنين أن تكون أيمانهم به سبحانه وتعالى أو بصفة من صفاته وهذا خلاف ما كان يفعلهالمشركون في الجاهلية، فقد كانوا يحلفون بغيره من المخلوقات كالكعبة والشرفوالنبي والملائكة والمشايخ والملوك والعظماء والآباء والسيوف وغير ذلك مما يحلف به كثير من الجهلة بأمور الدين، فهذه الأيمان كلها لا تجوز بإجماع أهل العلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فلا يحلف إلا بالله)) رواه البخاري. ولمسلم ((من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت)) وفي حديث آخر ((لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقين)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بالأمانة فليس منا)) وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ((لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا)) والأحاديث والآثار في هذا المعنى كثيرة.فالواجب على المسلمين أن يحفظوا أيمانهم، وألا يحلفوا إلا بالله وحده، أو صفة من صفاته، وأن يحذروا الحلف بغير الله كائنا من كان للأحاديث السابقة. نسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين لمايرضيه، وأن يمنحهم الفقه في دينه، وأن يعيذنا وإياهم من مضلات الفتن، ومن شرور النفس وسيئات العمل إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه.تحريم الحلف بغير اللهالحمد لله وحده، وبعد: فقد اطلعت على المقال المنشور في الصفحة الحادية عشر من جريدة الرياض الصادرة بتاريخ 23/12/1402 هـ. بعنوان (نداء من مواطن فقد ماله). وذكر في ضمن ندائه ما نصه (إنني أستحلفك برب العالمين وبرسوله الأمين). ونظرا إلى أن الحلف لا يجوز إلا بالله وحده أو بأسمائه أو بصفاته، رأيت التنبيه على ذلك.أما الحلف بالمخلوقين فلا يجوز مطلقا بأي حال من الأحوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كان حالفا فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، فالواجب على الصحافة وغيرها مراقبة المقالات وجميع ما يراد نشره قبل النشر لملاحظة مثل ذلك حتى تكون سليمة من الأشياء المنكرة وغير اللائقة بصحافتنا الإسلامية، كما أن الواجب على كل مسلم أن يتفقه في دينه وأن يتعلم ما لا يسعه جهله. وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. حكم إتيان الكهان ونحوهم وسؤالهم وتصديقهم([36])الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد شاع بين كثير من الناس أن هناك من يتعلق بالكهان والمنجمين والسحرة والعرافين وأشباههم، لمعرفة المستقبل والحظ وطلب الزواج والنجاح في الامتحان، وغير ذلك من الأمور التي اختص الله سبحانه وتعالى بعلمها كما قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا}([37]) وقال سبحانه: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}([38]) فالكهان والعرافون والسحرة وأمثالهم قد بين الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ضلالهم وسوء عاقبتهم في الآخرة وأنهم لا يعلمون الغيب، وإنما يكذبون على الناس ويقولون على الله غير الحق وهم يعلمون، قال تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُفِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[/b:831d |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز السبت أغسطس 13, 2011 4:37 pm | |
| |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز السبت أغسطس 13, 2011 4:39 pm | |
| تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولانِ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}([1]) يأمر الله سبحانه في هذه الآية بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن في ذلك خير الدنيا والآخرة وعز الدنيا والآخرة والنجاة من عذاب الله يوم القيامة، ويأمر بطاعة أولي الأمر عطفا على طاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم من غير أن يعيد العامل، لأن أولي الأمر إنما تجب طاعتهم فيما هو طاعة لله ولرسوله، وأما ما كان معصية لله ورسوله فلا تجوز طاعة أحد من الناس فيه كائنا من كان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم إنما الطاعة في المعروف، وقال صلى الله عليه وسلم ((لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق)).ثم أمر الله سبحانه عباده أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول، فقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}([2]) والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه الكريم، والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته عليه الصلاة والسلام وإلى سنته بعد وفاته، ثم قال سبحانه: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}([3]) يرشد عباده إلى أن رد مشاكلهم كلها إلى الله والرسول خير لهم وأحسن عاقبة في العاجل والآجل، فانتبهوا رحمكم الله واعتصموا بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام تفوزوا بالحياة الطيبة والسعادة الأبدية، كما قال الله سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون}([4])، وإنمن أقبح السيئات وأعظم المنكرات: التحاكم إلى غير شريعة الله من القوانين الوضعية والنظم البشرية وعادات الأسلاف والأجداد وأحكام الكهنة والسحرة والمنجمين التي قد وقع فيها الكثير من الناس اليوم وارتضاها بدلا من شريعة الله التي بعث بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ريب أن ذلك من أعظم النفاق، ومن أكبر شعائر الكفر والظلم والفسوق وأحكام الجاهلية التي أبطلها القرآن وحذر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}([5]) قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون}([6]) وقال عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون}([7]) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}([8]) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون}([9]) وهذا تحذير شديد من الله سبحانه لجميع العباد من الإعراض عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتحاكم إلىغيرهما، وحكم صريح من الرب عز وجل على من حكم بغير شريعته بأنه كافر وظالم وفاسق([10]) ومتخلق بأخلاق المنافقين وأهل الجاهلية، فاحذروا أيها المسلمون ما حذركم الله منه، وحكموا شريعته في كل شيء، واحذروا ما خالفها وتواصوا بذلك فيما بينكم، وعادوا وأبغضوا من أعرض عن شريعة الله وتنقصها أو استهزأ بها وسهل في التحاكم إلى غيرها، لتفوزوا بكرامة الله وتسلموا من عقاب الله، وتؤدوا بذلك ما أوجب الله عليكم من موالاة أوليائه، الحاكمين بشريعته، الراضين بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعاداة أعدائه الراغبين عن شريعته المعرضين عن كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. والله المسئول أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم، وأن يعيذنا وإياكم من مشابهة الكفار والمنافقين، وأن ينصر دينه ويخذل أعداءه إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. نصيحة موجهة إلى كافة المسلمين([11])من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى من يراه من المسلمين سلك الله بي وبهم سبيل عباده المؤمنين، وأعاذني وإياهم من طريق المغضوب عليهم والضالين آمين.سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فالموجب لهذا هو النصيحة والتذكير عملا بقول الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}([12]) وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}([13]) وقوله سبحانه: بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}([14]) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة)) قيل لمن يا رسول الله؟. قال: ((لله ولكتابه ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)) رواه مسلم.ففي هذه الآيات المحكمات، والحديث الشريف، صريح الدلالة على مشروعية التذكير والتناصح، والتواصي بالحق والدعوة إليه، وذلك لما يترتب عليه من نفع المؤمنين، وتعليم الجاهل، وإرشاد الضال، وتنبيه الغافل، وتذكير الناسي، وتحريض العالمعلى العمل بما يعلم، وغير ذلك من المصالح الكثيرة.والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه ويطيعوه، وأرسل الرسل مذكرين بذلك ومبشرين ومنذرين، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُون}([15]) ِ وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِين}([16]) وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل}([17]) وقال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر}([18]).فالواجب على كل من لديه علم أن يذكر بذلك، وأن يناصح في الله، ويدعو إليه حسب الطاقة، أداء لواجب التبليغ والدعوة، وتأسيا بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، وحذرا من إثم الكتمان الذي قد أوعد الله عليه في محكم القرآن، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُون}([19])َ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا)) رواهما مسلم في صحيحه.إذا عرف ما تقدم فالذي أوصيكم به ونفسي تقوى الله سبحانه في السر والعلانية، والشدة والرخاء، فإنها وصية الله، ووصيةرسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّه}([20]) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة))، والتقوى كلمة جامعة، تجمع الخير كله، وحقيقتها أداء ما أوجب الله، واجتناب ما حرمه الله على وجه الإخلاص له والمحبة والرغبة في ثوابه، والحذر من عقابه، وقد أمر الله عباده بالتقوى ووعدهم عليها بتيسير الأمور، وتفريج الكروب، وتسهيل الرزق، وغفران السيئات والفوز بالجنات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ}([21]) عَظِيم وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}([22]) وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب}([23])ُ وقال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}([24]) وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}([25]) والآيات في هذا المعنى كثيرة.فيا معشر المسلمين: راقبوا الله سبحانه، وبادروا إلى التقوى في جميع الحالات، وحاسبوا أنفسكم عند جميع أقوالكم وأعمالكم ومعاملاتكم، فما كان من ذلك سائغا في الشرع فلا بأس من تعاطيه، وما كان منها محظورا في الشرع فاحذروه، وإن ترتب عليه طمع كثير فإن ما عند الله خير وأبقى، ومن ترك شيئا اتقاء اللهعوضه الله خيراً منه، ومتى راقب العباد ربهم واتقوه سبحانه بفعل ما أمر، وترك ما نهى، أعطاهم الله سبحانه ما رتب على التقوى من العزة والفلاح والرزق الواسع، والخروج من المضايق والسعادة والنجاة في الدنيا والآخرة.ولا يخفى على كل ذي لب وأدنى بصيرة، ما قد أصاب أكثر المسلمين من قسوة القلوب والزهد في الآخرة، والإعراض عن أسباب النجاة والإقبال على الدنيا، وأسباب تحصيلها بكل حرص وجشع من دون تمييز بين ما يحل ويحرم، وانهماك الأكثرين في الشهوات، وأنواع اللهو والغفلة، وما ذلك إلا بسبب إعراض القلوب عن الآخرة وغفلتها عن ذكر الله ومحبته، وعن التفكر في آلائه ونعمه وآياته الظاهرة والباطنة، وعدم الاستعداد للقاء الله، وتذكر الوقوف بين يديه، والانصراف من ذلك الموقف العظيم إما إلى الجنة، وإما إلى النار.فيا معشر المسلمين، تداركوا أنفسكم وتوبوا إلى ربكم، وتفقهوا في دينكم وبادروا إلى أداء ما أوجب الله عليكم، واجتنبوا ما حرم عليكم لتفوزوا بالعز والأمن والهداية والسعادة في الدنيا والآخرة. وإياكم والانكباب على الدنيا وإيثارها على الآخرة، فإن ذلك من صفة أعداء الله وأعدائكم من الكفرة والمنافقين، ومن أعظم أسباب العذاب في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى في صفة أعدائه: {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا}([26]) وقال تعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}([27])، وأنتم لم تخلقوا للدنيا، وإنما خلقتم للآخرة، وأمرتم بالتزود لها، وخلقت الدنيا لكم، لتستعينوا بها على عبادة الله الذي خلقكم سبحانه، والاستعداد للقائه فتستحقوا بذلك فضله وكرامته، وجواره في جنات النعيم، فقبيح بالعاقل أن يعرض عن عبادة خالقه ومربيه، وعما أعده له من الكرامة، ويشتغل عن ذلك بإيثار شهواته البهيمية، والجشع على تحصيل عرض الدنيا الزائل، الذي قد ضمن الله له ما هو خير منه، وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة، وليحذر كل مسلم أن يغتر بالأكثرين، ويقول: إن الناس قد ساروا إلى كذا، واعتادوا كذا، فأنا معهم، فإن هذه مصيبة عظمى، قد هلك بها أكثر الماضين، ولكن أيها العاقل، عليك بالنظر لنفسك ومحاسبتها والتمسك بالحق وإن تركه الناس، والحذر مما نهى الله عنه وإن فعله الناس، فالحق أحق بالإتباع، كما قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه}([28])ِ وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}([29]) وقال بعض السلف رحمهم الله: (لا تزهد في الحق لقلة السالكين ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين).هذا ويسرني أن أختم نصيحتي هذه بخمسة أمور هي جماع الخير كله: الأول: الإخلاص لله وحده في جميع القربات القولية والعملية، والحذر من الشرك كله دقيقه وجليله، وهذا هو أوجب الواجباتوأهم الأمور، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، ولا صحة لأعمال العباد وأقوالهم إلا بعد صحة هذا الأصل وسلامته، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْت لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([30]).الأمر الثاني: التفقه في القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتمسك بهما وسؤال أهل العلم عن كل ما أشكل عليكم في أمر دينكم، وهذا واجب على كل مسلم، ليس له تركه والإعراض عنه، والسير وراء رأيه وهواه بدون علم وبصيرة، وهذا هو معنى شهادة أن محمدا رسول الله، فإن هذه الشهادة توجب على العبد الإيمان بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقا، والتمسك بما جاء به وتصديقه فيما أخبر به، وألا يعبد الله سبحانه إلا بما شرع على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}([31]) الآية، وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}([32]) الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) خرجه مسلم في صحيحه. وكل من أعرض عن القرآن والسنة، فهو متابع لهواه عاص لمولاه، مستحق للمقت والعقوبة، كما قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّه}([33]).وقال تعالى في وصف الكفار: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}([34])، وإتباع الهوى والعياذ بالله يطمس نور القلب، ويصد عن الحق، كما قال تعالى: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}([35]).فاحذروا رحمكم الله إتباع الهوى، والإعراض عن الهدى، وعليكم بالتمسك بالحق والدعوة إليه، والحذر ممن خالفه، لتفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.الأمر الثالث: إقام الصلوات الخمس والمحافظة عليها في الجماعة، فإنها أهم الواجبات وأعظمها بعد الشهادتين، وهي عمود الدين والركن الثاني من أركان الإسلام، وهي أول شيء يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة، فمن حفظها فقد حفظ دينه، ومن تركها فارق الإسلام، فما أعظم حسرته وأسوأ عاقبته يوم الوقوف بين يدي الله. فعليكم رحمكم الله بالمحافظة عليها والتواصي بذلك، والإنكار على من تخلف عنها وهجرها؛ لأن ذلك من التعاون على البر والتقوى، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بسند صحيح، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))خرجه مسلم في الصحيح.الأمر الرابع: العناية بالزكاة والحرص على أدائها كما أوجب الله، لكونها الركن الثالث من أركان الإسلام. فيجب على كل فرد من المسلمين المكلفين، إحصاء ما لديه من المال الزكوي، وضبطه وإخراج زكاته كل ما حال عليه الحول، إذا بلغ نصاب الزكاة، ويكون طيب النفس بذلك، منشرح الصدر أداء لما أوجبه الله، وشكرا لنعمته، وإحسانا إلى عباد الله، ومتى فعل المسلم ذلك، ضاعف الله له الأجر، وأخلف عليه ما أنفق، وبارك له في الباقي، وزكاه وطهره، كما قال الله سبحانه: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}([36]) ومتى بخل بالزكاة وتهاون بأمرها، غضب الله عليه، ونزع بركة ماله وسلط عليه أسباب التلف والإنفاق في غير الحق، وعذبه به يوم القيامة، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}([37]) وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز، يعذب به صاحبه يوم القيامة، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.أما غير المكلف من المسلمين كالصغير والمجنون فالواجب على وليه العناية بإخراج زكاة ماله، كلما حال عليه الحول، لعموم الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب الزكاة في مال المسلم، مكلفا كان أو غير مكلف.الأمر الخامس: يجب على كل مكلف من المسلمين ذكرا كان أوأنثى أن يطيع الله ورسوله في كل ما أمر الله به ورسوله: كصيام رمضان وحج البيت مع الاستطاعة وسائر ما أمر الله به ورسوله، وأن يعظم حرمات الله، ويتفكر فيما خلقه الله لأجله وأمر به، يحاسب نفسه في ذلك دائما، فإن كان قد قام بما أوجب الله عليه فرح بذلك، وحمد الله عليه، وسأله الثبات، وأخذ حذره من الكبر والعجب وتزكية النفس. وإن كان قد قصر فيما أوجب الله عليه، أو ارتكب بعض ما حرم الله عليه، بادر إلى التوبة الصادقة، والندم والاستقامة على أمر الله، والإكثار من الذكر والاستغفار والضراعة إلى الله سبحانه وسؤاله التوبة من سالف الذنوب، والتوفيق لصالح القول والعمل، ومتى وفق العبد لهذا الأمر العظيم فذلك عنوان سعادته ونجاته في الدنيا والآخرة، ومتى غفل عن نفسه وسار وراء هواه وشهواته، وأعرض عن الاستعداد لآخرته فذلك عنوان هلاكه، ودليل خسرانه، فلينظر كل منكم لنفسه، وليحاسبها ويفتش عن عيوبها فسوف يجد ما يحزنه، ويشغله بنفسه عن غيره، ويوجب له الذل لله، والانكسار بين يديه وسؤاله العفو والمغفرة.وهذه المحاسبة وهذا الذل والانكسار بين يدي الله، هو سبب السعادة والفلاح والعز في الدنيا والآخرة.وليعلم كل مسلم أن كل ما حصل له من صحة ونعمة وجاه رفيع، وخصب ورخاء، فهو من فضل الله وإحسانه. وكل ما أصابه من مرض أو مصيبة أو فقر أو جدب أو تسليط عدو أو غير ذلك من المصائب، فهو بسبب الذنوب والمعاصي، فجميع ما في الدنيا والآخرة من العذاب والآلام وأسبابهما: فسببه معصية الله، ومخالفة أمره، والتهاون في حقه، كما قالتعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}([38]) وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}([39]).فاتقوا الله عباد الله، وعظموا أمره ونهيه، وبادروا بالتوبة إليه من جميع ذنوبكم واعتمدوا عليه وحده، وتوكلوا عليه، فإنه خالق الخلق، ورازقهم، ونواصيهم بيده سبحانه، لا يملك أحد منهم لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.وقدموا رحمكم الله حق ربكم، وحق رسوله على حق غيره وطاعة غيره كائنا من كان، وتآمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، وأحسنوا الظن بالله، وأكثروا من ذكره واستغفاره، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، وخذوا على أيدي سفهائكم وألزموهم بما أمرهم الله به، وامنعوهم عما نهى الله عنه، وأحبوا في الله، وأبغضوا في الله، ووالوا أولياء الله، وعادوا أعداء الله، واصبروا وصابروا حتى تلقوا ربكم فتفوزوا بغاية السعادة والكرامة والعزة والمنازل العالية في جنات النعيم.والله المسئول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يصلح قلوب الجميع، ويعمرها بخشيته ومحبته وتقواه، والنصح له ولعباده، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يوفق ولاة أمرنا، وسائر ولاة أمر المسلمين لما يرضيه، وأن ينصر بهم الحق، ويخذل بهم الباطل، وأن يعيذ الجميع من مضلات الفتن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. نصح وإرشــاد([40])مما لا شك فيه لذي عقل سليم أن الأمم لابد لها من موجه يوجهها ويدلها على طريق السداد، وأمة الإسلام هي أخص الأمم بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواجب يحتم على كل مسلم بقدر استطاعته وعلى حسب مقدرته أن يشمر عن ساعد الجد في النصح والتوجيه حتى تبرأ ذمته ويهتدي به غيره، قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}([41]).ولا ريب أن كل مؤمن بل كل إنسان في حاجة شديدة إلى التذكير بحق الله وحق عباده والترغيب في أداء ذلك، وفي حاجة شديدة إلى التواصي بالحق والصبر عليه، وقد أخبر الله سبحانه في كتابه المبين عن صفة الرابحين وأعمالهم الحميدة وعن صفة الخاسرين وأخلاقهم الذميمة وذلك في آيات كثيرات من القرآن الكريم، وأجمعها ما ذكره الله سبحانه في سورة العصر حيث قال: {والعصر إن الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}([42]) فأرشد عباده عز وجل في هذه السورة القصيرة العظيمة إلى أن أسباب الربح تنحصر في أربع صفات:الأولى: الإيمان. والثانية: العمل الصالح. والثالثة: التواصي بالحق. والرابعة: التواصي بالصبر.فمن كمل هذه المقامات الأربعة فاز بأعظم الربح واستحق من ربه الكرامة والفوز بالنعيم المقيم يوم القيامة، ومن حاد عن هذه الصفات ولم يتخلق بها باء بأعظم الخسران وصار إلى الجحيم دار الهوان، وقد شرح الله سبحانه في كتابه الكريم صفات الرابحين ونوعها وكررها في مواضع كثيرة من كتابه ليعرفها طالب النجاة فيتخلق بها ويدعو إليها، وشرح صفات الخاسرين في آيات كثيرة ليعرفها المؤمن ويبتعد عنها، ومن تدبر كتاب الله وأكثر من تلاوته عرف صفات الرابحين وصفات الخاسرين على التفصيل، كما قال سبحانه ذلك في آيات كثيرة؛ منها ما تقدم، ومنها قوله جل وعلا: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}([43]) وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}([44]) وقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}([45]) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)).وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع على رؤوس الأشهاد يوم عرفة: ((إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به، كتاب الله)) فبينالله سبحانه في هذه الآيات أنه أنزل القرآن ليتدبره العباد، ويتذكروا به، ويتبعوه، ويهتدوا به إلى أسباب السعادة والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة، وأرشد الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة إلى تعلمه وتعليمه، وبين أن خير الناس هم أهل القرآن الذين يتعلمون القرآن ويعلمونه غيرهم بالعمل به وإتباعه والوقوف عند حدوده والحكم به والتحاكم إليه، وأوضح عليه الصلاة والسلام للناس في المجمع العظيم يوم عرفة أنهم لن يضلوا ما داموا معتصمين بكتاب الله سائرين على تعاليمه، ولما سار السلف الصالح والصدر الأول من هذه الأمة على تعاليم القرآن وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أعزهم الله ورفع شأنهم ومكن لهم في الأرض، تحقيقا لما وعدهم الله به في قوله سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}([46]) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}([47]) وقال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عزيز الذين إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}([48]).فيا معشر المسلمين: تدبروا كتاب ربكم وأكثروا من تلاوته وامتثلوا ما فيه من الأوامر واجتنبوا ما فيه من النواهي واعرفواالأخلاق والأعمال التي مدحها القرآن، فسارعوا إليها وتخلقوا بها، واعرفوا الأخلاق والأعمال التي ذمها القرآن وتوعد أهلها فاحذروها وابتعدوا عنها وتواصوا فيما بينكم بذلك واصبروا عليه حتى تلقوا ربكم، وبذلك تستحقون الكرامة وتفوزون بالنجاة والسعادة والعزة في الدنيا والآخرة.ومن أهم الواجبات على المسلمين العناية بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم والتفقه فيها والسير على ضوئها؛ لأنها الوحي الثاني، وهي المفسرة لكتاب الله، والمرشدة إلى ما قد يخفى من معانيه، كما قال الله سبحانه في كتابه الكريم: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}([49]) وقال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}([50]) وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}([51]) وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}([52]) وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}([53]).والآيات الدالة على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيم سنته والتمسك بها والتحذير من مخالفتها أو التهاون بها كثيرة جدا يعلمهامن تدبر القرآن الكريم وتفقه فيما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الصحيحة، ولا صلاح للعباد ولا سعادة ولا عزة ولا كرامة ولا نجاة في الدنيا والآخرة إلا باتباع القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتعظيمهما والتواصي بهما، في جميع الأحوال، والصبر على ذلك؛ كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}([54]) وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}([55]) وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ}([56]).فأرشد الله سبحانه العباد في هذه الآيات الكريمات إلى أن الحياة الطيبة والراحة والطمأنينة والعزة الكاملة إنما تحصل لمن استجاب لله ولرسوله واستقام على ذلك قولا وعملا.وأما من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام واشتغل عنهما بغيرهما فإنه لا يزال في العذاب والشقاء والهموم والغموم والمعيشة الضنك، وإن ملك الدنيا بأسرها، ثم ينقل إلى ما هو أشد وأفظع وهو عذاب النار عياذا بالله من ذلك، كما قال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُ |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز الأحد أغسطس 14, 2011 1:12 am | |
| |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز الأحد أغسطس 14, 2011 1:15 am | |
| |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز الأحد أغسطس 14, 2011 1:16 am | |
| |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز الأحد أغسطس 14, 2011 1:19 am | |
| |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز الأحد أغسطس 14, 2011 1:33 am | |
| وقال جل شأنه: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}([1]).فأشار سبحانه في هذه الآيات إلى عقوبة المكذبين، وأنهم عوجلوا بالعقوبة في الدنيا، مع ما لهم في الآخرة من العذاب الأليم.ولكن الله سبحانه، رفع عن هذه الأمة العذاب العام، رحمة منه لعباده سبحانه وتعالى، كما قال جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}([2]) ومن ذلك أن الله رحمهم فلم يعذبهم العذاب العام، كما جرى على الأمم الكثيرة قبلهم، كعاد وثمود، وقوم لوط وغيرهم. أما هذه الأمة فقد رحمها الله، فلم يعاقبها بالعقوبات العامة، ولكنه أصاب من أصاب منها بالعقوبات الخاصة، وأوضح جل وعلا أن من اتقاه واستقام على أمره، فإنه سبحانه وتعالى يهبه من فضله: تفريج الكروب، وتيسير الأمور، والرزق العظيم، والجنات والكرامة، كما قال جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}([3]).فبين سبحانه وتعالى أن من اتقاه حصل له الخير العظيم، وذلك بتكفير السيئات، وتفريج الكروب، وتيسير الأمور، وإعظام الأجر، والرزق من حيث لا يحتسب، كما وعد سبحانه المتقين بحصول الفرقان الذي يميز به بين الحق والباطل مع الفوز بالجنة والنجاة من النار، في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}([4]) وقوله سبحانه: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}([5]) فالمتقي لله هو العابد لله سبحانه، المستقيم على أمره، المطبق لشريعة ربه في نفسه وفي غيره حسب طاقته، بفعل الأوامر، وترك النواهي، وإنما يصاب من يصاب بالمكاره والضيق العاجل والآجل، والعذاب الشديد بإعراضه عن أمر الله، وعدم تطبيقه لشريعته سبحانه، وإخلاله بشيء من أوامره، أو ارتكابه شيء من محارمه عز وجل، فيصاب بشيء من ذلك عقوبة له، إما عاجلا وإما آجلا.لهذا يقول جل وعلا في موضع آخر من كتابه الكريم: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}([6]) ويقول جل وعلا: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}([7]) ويقول جل وعلا: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}([8])، فالله جل وعلا يبتلي عبادة بأسباب ما يقع منهم من خلل في أوامره، أو نواهيه، يبتليهم بأشياء فإن صبروا وبادروا بالتوبة والإصلاح، وعالجوا الأوضاع بالرجوع إلى أمر الله، والتوبة مما حصل منهم من تضييع أمر الله، أو ركوب محارم الله، أصلح الله حالهم، واستقاموا، ورد لهم ما كان شاردا وأصلح لهم ما كان فاسدا، وأعطاهم بعد الخوف أمنا، وبعد الذل عزا، وإن استمروا في طغيانهم، وضلالهم، وما وقعوا فيه من إصرار في تضييع أمر الله، وركوب محارمه، ابتلاهم بأنواع العقوبات.ولهذا قال جل وعلا، فيما ذكر عن نبيه وخليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}([9]) ثم فصل القضية فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}([10]) فأبان سبحانه: أن أهل الشرك هم أهل الخوف، وهم أولى بالخوف، وعدم الأمن، لأنهم أشركوا بالله وظلموا عباد الله، وتعدوا حدوده، فصاروا أولى بالخوف، وعدم الأمن، ولهذا لا أمن لهم، فهم مهددون بالعقوبة والنقمات في سائر الأوقات، قال جل وعلا: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ}([11]) فهم لايزالون في أنواع البلايا والمحن والنقمات بأسباب كفرهم وضلالهم، وعنادهم للحق، واستكبارهم عن طاعة الله عز وجل، أما أهل الإيمان والتقوى فلهم الأمن العاجل والآجل، والذين آمنوا ووحدوا الله، وأخلصوا له العبادة، واستقاموا على أمره، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، المعنى: ولم يخلطوا إيمانهم بظلم أي: بشرك. واللبس أي الخلط، {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} جاء في الحديث الصحيح: أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، لما نزلت هذه الآية جاؤوا النبي صلى الله عليه وسلم وجثوا عنده على الركب وقالوا: يا رسول الله نزلت آية لا نطيقها. من هو الذي لا يلبس إيمانه بظلم؟. فقال عليه الصلاة والسلام: ((ليس هو الظلم الذي تعنون: ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}([12]) إنما هو الشرك)).فبين لهم عليه الصلاة والسلام: أن الظلم الذي يمنع الأمن والاهتداء مطلقا: هو الشرك بالله عز وجل، والكفر به سبحانه وتعالى.وبهذا يعلم أن من أشرك بالله، وكفر به، لا أمن له، ولا هداية له في الدنيا والآخرة، بل هو ضال مضل في الدنيا والآخرة، وعاقبته وخيمة: عاقبته النار مع ما له في الدنيا من أنواع العقوبات والنقمات، وما يحل به من أنواع الكوارث، وقد يستدرج الكافر والعاصي، ويملي لهما، حتى تكون عقوبتهما أكثر، وحتى يكون جزاؤهما أشد وأغلظ، قال جل وعلا: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}([13]) فقد يؤجلللإنسان عقوبته، ويملي له، ثم تكون عقوبته بعد ذلك أكثر وأشد وأعظم.وقال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}([14]) فإذا سلم العبد من أنواع الظلم: ظلم الشرك، وظلم المعاصي، وظلم العباد في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم. إذا سلم من هذه الأنواع الثلاثة حصل له الأمن الكامل، والاهتداء الكامل في الدنيا والآخرة.أما إن سلم من الظلم الأكبر وهو الشرك، ولكن بقي معه شيء من الظلم الأصغر وهو ظلم العباد، وظلمه لنفسه بالانغماس في المعاصي، فإن هذا يكون معه أصل الأمن ومعه أصل الهداية، وأصل النجاة من الخلود في النار، ولكنه على خطر في دنياه وفي أخراه، على خطر من العقوبات في الدنيا وفي الآخرة، فليس له أمن كامل ولا اهتداء كامل، بسبب ما معه من أنواع المعاصي، وظلم العباد.وبهذا يعلم أن تطبيق الشريعة، والعناية بذلك واستكماله، من أعظم أسباب كمال الأمن، وكمال الهداية وكمال السلامة والحياة الكريمة، وأن العبد متى أخل بشيء مما أوجب الله عليه، أو ارتكب شيئا مما حرمه الله عليه، فإنه يناله من اختلال الأمن، ومن اختلال الهداية، ما يناله بحسن ما لديه من تقصير في أمر الله أوركوب لبعض محارم الله جل وعلا.وهكذا شأنه في الآخرة قد يعفى عنه، ويغفر له ما حصل منه من النقص، وقد يعذب في النار على قدر ما مات عليه من النقص، ثم بعدما يطهر ويخلص من الخبث الذي مات عليه غير تائب يكون إلى الدار الطيبة، إلى دار الكرامة بعد تخليصه من آثار ذنوبه وسيئاته التي مات عليها مصرا، ولا ريب أن من تطبيق الشريعة إقامة الحدود على المجرمين، وتعزير العصاة، والأخذ على أيدي السفهاء، وإلزام الناس بالحق، وبهذا تصان الدماء والحقوق، ويأمن الناس، ويعطى الحق لصاحبه، ويمنع الظالم عن ظلمه.وبهذا يأمن العباد في نفوسهم وأموالهم وأعراضهم، وبهذا تستقيم أحوالهم المعيشية، وتتحسن حياتهم، ويتمكنون من المكاسب الصالحة، والحياة الكريمة، في ظل الأمن في ظل تطبيق الشريعة، في العبادات والمعاملات، والحدود وغير ذلك. ولا يستقيم أمر للعباد ولا حياة كريمة، ولا أمن، مع إضاعتهم لحدود الله، وعدم قيامهم بأمره، وارتكابهم لمحارمه، فإن ذلك له أسباب تسليط الله عليهم، ومن أسباب وجود أنواع المخاوف، وعدم الاطمئنان. ومن أسباب تسليط بعضهم على بعض، حتى لا يتمكن الناس من الحياة الكريمة والأسباب المفيدة من الزراعة والتجارة وغير ذلك. لأن الخوف الذي أصيبوا به بسبب أعمالهم الخبيثة، ومعاصيهم، يمنعهم من كثير من الأسباب التي تنفعهم في الدنيا والآخرة، ويجعلهم في حياة قلقة، غير مطمئنة، فلا يطمئنونإلى الأكساب الطيبة، والأرزاق السليمة، لا من طريق التجارة، ولا من طريق الزراعة، ولا من الطرق الأخرى، بسبب ما لديهم من المخاوف والعدوان من بعضهم على بعض، وهذا مجرب قديما وحديثا، وكل بلاد استقامت على أمر الله، وحكم حكامها شريعة الله، تطمئن ويقل فيها الخوف ويسود فيها الأمن، وتحصل فيها الحياة الكريمة، وتسهل الأرزاق، ويعيش الناس في أمن وعافية وطمأنينة في كل شيء.وكل بلاد تضيع فيها الشريعة، ولا تقام فيها حدود الله، يكثر فيها الخوف، ويقل فيها الأمن، وتسود فيها الفوضى، وتكثر الرذائل، وتقل الفضائل، ولا يطمئن الناس في عيش ولا في رزق، قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}([15]).وكل من نظر في العالم، وأحوال الناس، يعلم ما ذكرنا عن يقين، وعن مشاهدة. فإذا تأمل المؤمن البصير حالة عصر الصحابة، وما فيه من الخير العظيم، والجهاد الواسع، والفتوحات الكثيرة، والأمن والأمان في البلدان التي حكمها المسلمون، بسبب تطبيقهم لشريعة الله وتنفيذهم لأحكام شرعه الذي شرع، وإقامتهم لحدوده، يرى العجب العجاب، ويتضح له صحة ما ذكرنا من وجود الأمن والحياة الكريمة، بسبب تطبيق الشريعةالإسلامية العظيمة، ويعلم يقينا أيضا أن البلاد الأخرى التي سادت فيها الفوضى، واختل فيها الأمن، وتعدى فيها القوي على الضعيف، أن ذلك بأسباب عدم تحكيمهم لشريعة الله، وعدم قيام حكامهم بما يجب من الوازع الشرعي في إقامة الحدود والتعزيرات، والأخذ على يد الظالم، وإنصاف المظلوم، إلى غير ذلك.وفي هذا المعنى يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}([16]).وهذا واضح في أن ربنا عز وجل وعد عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن يستخلفهم في الأرض، ويمكن لهم فيها، كما مكن لمن قبلهم، ممن عمل عملهم، واستقام على الإيمان والعمل الصالح، وأدى حق الله، وطبق الشريعة.وعدهم سبحانه أن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا، وما ذاك إلا بأسباب إيمانهم وعملهم الصالح، والضد بالضد، فمتى أخلوا بالإيمان، وأخلوا بالعمل الصالح، تخلف هذا الوعد، فالجزاء من جنس العمل، فمن استقام على أمر الله، وطبق حقه سبحانه وتعالى، وأنصف المظلوم من الظالم، وأقام الحدود في ولايته، صارت بلاده في أمن وأمان،وراحة وطمأنينة، وحياة كريمة، تحقيقا لما وعد الله به عباده سبحانه وتعالى، وهو الصادق في وعده جل وعلا، ومتى أخلوا بذلك، ولم ينفذوا أمر الله، بل تساهل حكامهم بشريعة الله، ولم ينفذوا ما يجب من الحدود والتعزيرات الشرعية أصابهم في بلادهم من الخلل والضعف، واختلال الأمن ووجود الخوف والقلق بحسب ما عندهم من تضييع أوامر الله، وبحسب ما ضيعوا من إقامة حدود الله. وهذا كله واضح لمن سبر أحوال العالم، ودرس أحوال الدول الموجودة، والبائدة.والخلاصة: أن وعد الرب جل وعلا لا يخلف، وأنه صادق في وعده سبحانه وتعالى، فمن آمن بالله ورسوله، وطبق شريعته بالعمل الصالح، منحه الله الأمن والتمكين والاستخلاف في الأرض كما وعد الله جل وعلا، وكما حصل لمن قبلنا من الخلفاء الراشدين، ومن سار على نهجهم ممن طبق شريعة الله واستقام على أمره سبحانه.ومن ضيع ذلك أو أخل به، وتابع الهوى والشيطان في كثير من الأمور فاته الأمن والتمكين والاستخلاف بقدر ما ضيع من أمر الله، وارتكب من محارمه، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يرشد إلى هذا المعنى، ويبين أن الواجب على ولاة الأمور العناية بالشريعة، وبذل الجهود في تطبيقها في كل شيء حتى يتحقق للعباد الأمن والسعادة والحياة الكريمة في هذه العاجلة، ويتحقق لهم بعد ذلك في الأخرى الأمن أيضا من النار، والفوز بدار الكرامة والنعيم المقيم، فقد ثبت عنه عليه الصلاةوالسلام: أنه كان يحرض الناس دائما على القيام بأمر الله، ويحذرهم من ركوب محارمه، ويأمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويذكر لهم عاقبة من نفذ أمر الله، وعاقبة من تساهل بأمره جل وعلا، ليتعظوا وليتذكروا، ويبتعدوا عن محارم الله، ويحذروا عواقبها الوخيمة، التي وعد بها من عصى ربه، وركب محارمه سبحانه وتعالى، ومن ذلك ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه وقوله صلى الله عليه وسلم (إن الله يقول لكم مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أستجيب لكم وقبل أن تسألوني فلا أعطيكم وقبل أن تستنصروني فلا أنصركم)) ومن ذلك ما جاء في الحديث أيضا الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لما وقعت بنوا إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا فواكلوهم وشاربوهم وجالسوهم فلما رأى الله ذلك منهم ضرب قلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم)) {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}([17]) وقال ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه أو على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقسرنه على الحق قسرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم)) رواه أبو داود والترمذي.وهذا وعيد شديد يدل على أن من فعل مثلما فعل أولئك، منإضاعة أمر الله، وعدم إنكار المنكر، وعدم الأمر بالمعروف، أنه متوعد بأن يصيبه ما أصاب أولئك، فإن القوم إنما أصيبوا بأفعالهم السيئة، لا بأنسابهم ولا بأموالهم، بل أصيبوا بأفعالهم المنكرة، ولعنوا وغضب عليهم بأعمالهم القبيحة. فمن فعل فعلهم، وشاركهم في هذه المعاصي استحق مثل عقوبتهم، واستحق من الوعيد بمثل ما استحقوا، فإن الجزاء إنما هو على الأعمال، لا على الأنساب والأموال، ولكن على الأعمال، وعنادهم للحق على بصيرة. فمن شاركهم في هذا، وعمل كأعمالهم استحق من العقوبات بمثل ما استحقوا من غضب الله وعقابه جل وعلا.وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يغار لمحارم الله، وينتقم لله، ويغضب لله، وما كان يغضب صلى الله عليه وسلم لنفسه، وما ذاك إلا لأن ظهور المعاصي والتساهل بها من أعظم الأسباب في اختلال الأمن، وفساد القلوب، وفساد المجتمع، وغضب الله سبحانه، والعذاب العاجل والآجل، فكان عليه الصلاة والسلام أحرص الناس على إقامة أمر الله في أرضه سبحانه. وكان أنصح الناس للناس عليه الصلاة والسلام، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة)) قلنا لمن يا رسول الله؟ قال ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) وبايع صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم، على أن ألا يشركوا بالله شيئا ولا يسرقوا ولا يزنوا ولا يقتلوا أولادهم. إلى آخر ما جاء في البيعة المعروفة.وبايعه جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه وأرضاه، على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقامة الصلاةوإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم، إلى غير ذلك مما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، من الأوامر بالتزام أمر الله، والوقوف عند حدوده والحذر من محارمه، وبيان الوعيد لمن تعدى الحدود، أو أخل بالأمن، أو ارتكب المحارم. ومن ذلك قصة المخزومية لما سرقت وأمر بقطع يدها عظم ذلك على قريش بمكة وقالوا من يشفع فيها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبوا من أسامة بن زيد أن يتقدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليعفوا عنها ولا يقطعها فغضب عليه الصلاة والسلام عند ذلك وقال: ((أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم خطب الناس فقال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)).فبين عليه الصلاة والسلام أن إقامة الحدود من أهم المهمات، وأنه لا يجوز لأحد الشفاعة في ذلك بعد بلوغها السلطان، بل يجب أن تنفذ الحدود إذا بلغت السلطان حتى يكون ذلك رادعا للناس عن محارم الله، وسببا لاستقامتهم على أمره، وقيامهم بحقه سبحانه وتعالى.ولما استوبأ أناس من العرنيين المدينة قدموا إليها مهاجرين أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا مع الإبل إبل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها ليزول عنهم بذلك ما أصابهم من الوباء فخرجوا إلى هناك فلما صحوا وزال عنهم ما بهم من الأذى قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم وسمروا عين الراعي فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم سرية تتبع آثارهم حتى أدركوهم فجاءوا بهمإليه عليه الصلاة والسلام فلما جاؤوا بهم إليه أمر أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وأن تسمر أعينهم ويطرحوا في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا.هذه العقوبة العظيمة الشديدة، إنما كانت غضبا لله عز وجل، لأن هؤلاء كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا الراعي، وسمروا عين الراعي، وأخذوا الإبل، فجمعوا بين أنواع المنكرات: السرقة والنهب والقتل، وسمر عين الراعي، والردة عن الإسلام، بعدما عافاهم الله مما أصابهم، فلهذا عاقبهم النبي صلى الله عليه وسلم عقوبة عظيمة شديدة، لتكون رادعا لغيرهم من مثل هذا العدوان، فدل ذلك على أنه يجب على ولاة الأمور أن يعنوا بهذه الأمور، وأن يجتهدوا في عقاب المجرمين، والأخذ على أيدي السفهاء.كل ذلك حفظا للأمن وراحة للمسلمين، مع ما في ذلك من الحياة الكريمة والسلامة من شر المجرمين والمفسدين في الأرض. ومن تتبع سيرته صلى الله عليه وسلم، وسيرة أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، من الخلفاء الراشدين وغيرهم عرف ذلك.فكان الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم وأرضاهم في غاية من العناية بأمر المسلمين، والحرص على سلامتهم وأمنهم، وحياتهم الكريمة، فلما ارتد من ارتد من العرب قام الصديق في أمرهم، وأمر بقتالهم وتوقف عمر رضي الله عنه في هذا بعض الشيء، ثم شرح الله صدره لما عرف الحق، ووافق هو والصحابة على ذلك، فقام الصديق في هذا الأمر العظيم، قياما كبيرا، وجهز الجيوش لقتال المرتدين والقضاء عليهم، ودعوتهم إلى الرجوع إلى دين اللهالذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، فمن قبل الحق، ورجع إليه قبل منه الصديق رضي الله عنه وكف عنه، ومن أبى قوتل على ذلك، حتى يرجع أو يقضى عليه.وفي ذلك حفظ للأمن وتثبيت للإسلام ولحياة المسلمين الكريمة، وإقامة للدعوة إلى الحق، وتثبيت للإيمان في القلوب، والتحذير من أن يدب هذا البلاء إلى غيرهم، فتعظم المصيبة، ويعظم الخطر، فعاجلهم الصديق رضي الله عنه وأرضاه بالسرايا والجيوش، حتى قضى على من استمر في ردته، وحتى هدى الله من هدى على يديه.فحصل بذلك من الأمن والعافية والطمأنينة ورجوع الكثير إلى الإسلام ما حصل، كل هذا ببركة الجهاد في سبيل الله، وقتال أعداء الله، والأخذ على أيدي المفسدين، إلى غير ذلك مما جرى في عهده رضي الله عنه وأرضاه، ثم في عهد عمر بعد ذلك، قام رضي الله عنه أعظم قيام، واجتهد في بعث الجيوش إلى الشام والعراق وغير ذلك، وقام بغاية المطلوب من الجهاد رضي الله عنه وأرضاه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا في رؤياه العظيمة؛ أن الدلو استحال في يده غربا حتى ضرب الناس بعطن، ففي ذلك إشارة إلى ما فتح الله على يديه من الفتوحات العظيمة، وما حصل بسبب ذلك من الأمن والطمأنينة في البلاد، والحياة الكريمة للمسلمين. وما أسباب ذلك إلا تطبيق شريعة الله، والقيام بأمر الله وتنفيذه لحدوده، وإقامة ولاة أمور المسلمين للجهاد العظيم، في سبيل الله عز وجل حتى أمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وحتىدخل الناس في الإسلام عن رغبة وبصيرة، وعاشوا في بلادهم حياة كريمة، بأسباب قيامهم جميعا بأمر الله وجهادهم في سبيل الله، وتعاونهم على الخير.وهكذا في عهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، حصل من الخير الكثير، والجهاد العظيم ما حصل، واتسعت رقعة الإسلام في زمانه، وكثر الخير في وقت خلافته، ثم جرى ما جرى في آخر خلافته، وبعد مقتله من خلاف، فجرى بهذا شر عظيم، وفساد كبير، بسبب الاختلاف والتنازع الذي وقع من بعض الناس حتى أثاروا الشر والفساد بين المسلمين، وتسببوا في قتل عثمان رضي الله عنه وأرضاه.ثم ظهرت الخوارج وجرى ما جرى بسببهم هذا الفساد، وبسبب الإخلال بأمر الله، ثم رد الله الكرة واجتمعت الكلمة على معاوية رضي الله عنه وأرضاه، فعادت الأمور إلى مجاريها، واطمأن المسلمون، وساد الأمن في الأرض وقام الجهاد إلى غير ذلك.وهذه أمثلة طاهرة فيها عظة وعبرة، وفي خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، حصل أيضا انتشار عظيم لهذا الخير العظيم، فإنه باستقامته وصلابته في الحق وجهاده فيه، ورده المظالم، وقيامه أكمل قيام حسب طاقته في تطبيق الشريعة، حصل في زمانه من الخير العظيم والطمأنينة والأمن، والحياة الكريمة ما حصل، كل ذلك بأسباب قيامه بأمر الله، وتطبيقه لشريعة الله، وجهاده في سبيل الله، وإنصافه للمظلوم وردعه للظالم، وتنفيذهالحدود إلى غير ذلك، مما حصل في خلافته من الخير.وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه، وأن يرزقنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يوفق ولاة أمر المسلمين لتطبيق شريعته، وتنفيذ حدوده، وإقامة أمره في أرضه، كما أسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان، وأن يثبتهم على الإيمان وأن يعينهم على تطبيق الشريعة، في أقوالهم وأفعالهم وعباداتهم ومعاملاتهم وغير ذلك، وأن يرزقنا جميعا الفقه في الدين، والاستقامة على أمر الله سبحانه وتعالى، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه جل وعلا جواد كريم. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.الإسلام هو الدين الحقوما سواه من الأديان باطل([18]) الحمد لله الذي ارتضى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم دين الإسلام، وجعل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم خاتمة الشرائع وأكملها، وأرسل بها أفضل خلقه محمدا صلى الله عليه وسلم وبعد:فقد- اطلعت على ما نشر في جريدة اليوم العدد 4080 وتاريخ 12/8/1404هـ الصفحة الأخيرة تحت عنوان (معبد غريب للسيخ في الإمارات) نقلا عن وكالة أنباء الخليج. وقد جاء في ذلك الخبر ما يلي: (ووصف أحد علماء المسلمين في دبي هو الدكتور محمود إبراهيم الديك هذا المعبد بأنه يشكل خطرا كبيرا على المسلمين وينبغي إزالته. وقال: إن الديانات المسموح بها في الإمارات هي التي لها كتاب سماوي فقط أما ما عدا ذلك فهي معتقدات كافرة ينبغي إزالة معابدها ومنعها من ممارسة طقوسها حتى لا تؤثر على المسلمين في هذه الأرض) انتهى كلامه. ومن يقرأ كلام الدكتور محمود الديك هذا يدرك منه أمرين:أحدهما: أن اليهودية والنصرانية مسموح بهما في الأمارات سواء الانتماء إليهما أو إقامة معابد لهما أو مزاولة كافة طقوسهما. ومعنى ذلك أن التبشير النصراني علني ومسموح له رسميا هناك وهذا أمر خطير.والأمر الثاني: وهو أخطر من الأول: الحكم ضمنا من واقع كلام هذا المتحدث بأن الديانات السماوية كاليهودية والنصرانية ليست كافرة، وبالتالي فإنه إذا كان الأمر كذلك يجوز الدخول فيهما والانتماء إليهما والدعوة إليهما والتبشير بهما. ولن أتعرض لمعبد السيخ هذا لأن الخبر جاء فيه بأن الشيخ عبد الجبار الماجد مدير أوقاف دبي قال: بأن البلدية سوف تزيل هذا المعبد فجزاه الله خيرا؛ لأن وجود هذا المعبد يتضمن الدعوة إلى عبادة الأوثان التي يجب إنكارها.أما كلام الدكتور محمود الديك فمعلوم ما فيه من بطلان وغلط فإن الدين الإسلامي هو الدين الصحيح المطلوب من أهل الأرض قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([19]) وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}([20]) هذا وقد وصف الله سبحانه وتعالى اليهود والنصارى بالكفر لما قالوه عن الله، وبما حرفوه وغيروه في كتبهم، وتجاوزهم الحد في القول والعمل تبعا لما تصف ألسنتهم، وتستهوي نفوسهم قاتلهم الله أنى يؤفكون. قال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِجَمِيعًا}([21]) وقال تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([22]) وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}([23]).والآيات الكريمات في هذا المعنى كثيرة، مما يعلم معه بأن الديانة اليهودية والديانة النصرانية قد نسختا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. وأن ما فيهما من حق أثبته الإسلام، وما فيهما من باطل هو مما حرفه القوم، وبدلوه حسب أهوائهم. ليشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون. فدين الإسلام هو الدين الصحيح المطلوب من أهل الأرض وهو الدين الذي بشر به جميع الأنبياء.روى النسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورقة من التوراة فقال ((أمتهوكون يا ابن الخطاب لقد جئتكم بها بيضاء نقية لو كان موسى حيا واتبعتموه وتركتموني ضللتم)).وفي رواية: ((لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي)) فقال عمر: (رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبياً).وكما أن عيسى عليه السلام جاء مجددا لديانة موسى وليحل لهم بعض ما حرم عليهم، كما في قوله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}([24]).فإنه كذلك سينزل في آخر الزمان ليجدد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم: ((يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية)) رواه مسلم، قال النووي في شرحه: قوله: يضع الجزية: أي لا يقبل إلا الإسلام أو السيف. ا هـ.وعندما يرى هذه الآية أهل الأرض فعند ذلك يرجع لدين الإسلام من هدى الله قلبه، ويدخل فيه من أنار الله بصيرته من اليهود والنصارى. فيؤمن بعيسى بعدما ظهرت أمامه الآيات الساطعات، التي تتجلى فيها أنوار الحق الواضحة. والإيمان بعيسى عليه السلام في ذلك الوقت تصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم. وبالدين الذي جاء به من عند ربه وهو الإسلام. حيث ينكشف الكذب ويظهر الزيف الذي أدخله الأحبار والرهبان على الديانة النصرانية واليهودية، ليضلوا الناس، ويلبسوا عليهم دينهم. قال الله تعالى في قصة عيسى عليه السلام مع أهل الكتاب الذين قالوا بأنهم قتلوه موضحا كذبهم وأن منهم من سوف يؤمن بعيسى عليه السلام قبل موته؛ لأن الموت حق على جميع البشر في هذه الحياة الدنيا: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}([25]).وهذا الموقف الذي أبانه القرآن الكريم جاء بعد أن وصفهم بالكفر في آية قبلها وهي قوله تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا * وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}([26]).وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد أن وضحت شريعة الإسلام لأهل الأرض دخل من أنار الله بصيرته من اليهود والنصارى في الإسلام بعدما عرف الحق. وتبرأ من الاعتقادات التي تناقض شرع الله الذي شرع لعباده، وهي الوحدانية لله جل وعلا. وعدم الإشراك معه في العبادة والاعتقاد. ودين الإسلام هو: الدين الذي ارتضاه الله لأنبيائه منذ الأزل، قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ}([27]) وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}([28]). . |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز الأحد أغسطس 14, 2011 1:41 am | |
| ودين الإسلام هو الطريق المستقيم الموصل إلى الله. كما ورد في تفسير سورة الفاتحة، فإن العبد يدعو ربه بأن يهديه إلى الصراط المستقيم، وأن يبعده عن طريق المغضوب عليهم وهم اليهود الذين عصوا الله عن علم ومعرفة، وطريق الضالين وهم النصارى الذين يعبدون الله على جهل وضلال.ومما ذكرناه يتضح أن الطريق إلى الله واحد وهو دين الإسلام وهو الذي بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم كما بعث جميع الرسل وإن جميع ما خالفه من يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو وثنية أو غير ذلك من نحل الكفر كله باطل، وليس طريقا إلى الله ولا يوصل إلى جنته وإنما يوصل إلى غضبه وعذابه، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([1]).وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار)) رواه الإمام مسلم في صحيحه.والله المسؤول أن يمنحنا وجميع المسلمين الفقه في الدين والثبات عليه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا وأن يهدينا جميعا الصراط المستقيم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه سيدنا وإمامنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم القيامة، أما بعد:فلشدة الحاجة إلى التقوى ولعظم شأنها، ولكون كل واحد منا، بل كل واحد من المسلمين في أشد الحاجة إلى التقوى والاستقامة عليها، رأيت أن أكتب فيها كلمة موجزة عسى الله أن ينفع بها المسلمين فأقول: كل من تدبر موارد التقوى في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، علم أنها سبب كل خير في الدنيا والآخرة. فأنت يا عبد الله إذا قرأت كتاب ربك من أوله إلى آخره، تجد التقوى رأس كل خير، ومفتاح كل خير، وسبب كل خير في الدنيا والآخرة، وإنما تأتي المصائب والبلايا والمحن والعقوبات بسبب الإهمال أو الإخلال بالتقوى وإضاعتها، أو إضاعة جزء منها، فالتقوى هي سبب السعادة والنجاة وتفريج الكروب والعز والنصر في الدنيا والآخرة، ولنذكر في هذا آيات من كتاب الله، ترشد إلى ما ذكرنا، من ذلك قوله جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}([3]) قال بعضالسلف: هذه الآية أجمع آية في كتاب الله، أو قال: من أجمع آية في كتاب الله، وما ذاك إلا لأن الله رتب عليها خير الدنيا والآخرة، فمن اتقى الله جعل له مخرجا من مضائق الدنيا ومضائق الآخرة، والإنسان في أشد الحاجة، بل في أشد الضرورة إلى الأسباب التي تخلصه من المضائق في الدنيا والآخرة، ولكنه في الآخرة أشد حاجة وأعظم ضرورة، وأعظم الكربات وأعظم المضائق كربات يوم القيامة، وشدائدها، فمن اتقى الله في هذه الدار فرج الله عنه كربات يوم القيامة، وفاز بالسعادة والنجاة في ذلك اليوم العظيم العصيب، فمن وقع في كربة من الكربات فعليه أن يتقي الله في جميع الأمور، حتى يفوز بالفرج والتيسير، فالتقوى باب لتفريج كربة العسر وكربة الفقر وكربة الظلم وكربة الجهل وكربة السيئات والمعاصي وكربة الشرك والكفر إلى غير ذلك، فدواء هذه الأمور وغيرها أن يتقي الله بترك الأمور التي حرمها الله ورسوله، وبالتعلم والتفقه في الدين حتى يسلم من داء الجهل، وبالحذر من المعاصي والسيئات حتى يسلم من عواقبها في الدنيا والآخرة، فالسيئات لها عواقب في الدنيا من عقوبات قدرية، أو عقوبات شرعية، من الحدود والتعزيرات والقصاص، ولها عقوبات في الآخرة، أولها عذاب القبر، ثم بعد الخروج من المقابر بعد البعث والنشور عقوبات وشدائد يوم القيامة، ومن عقوباتها أيضا أن الإنسان يخف ميزانه بسبب إضاعة التقوى ويرجح ميزانه بسبب استقامته على التقوى، ويعطى كتابه بيمينه إذا استقام على التقوى، وبشماله إذا انحرف عن التقوى، ويدعى إلى الجنة إذا استقام على التقوى،ويساق إلى النار إذا ضيع التقوى، وخالف التقوى ولا حول ولا قوة إلا بالله.والإنسان محتاج أيضا إلى الرزق الحلال الطيب في هذه الدار، وإلى النعيم المقيم في الآخرة، وهو أحسن نعيم وأعظم النعيم ولا نعيم فوقه، ولا طريق إلى ذلك ولا سبيل إلا بالتقوى، فمن أراد عز الدنيا والرزق الحلال فيها، والنعيم في الآخرة، فعليه بالتقوى.والإنسان محتاج إلى العلم، والبصيرة والهدى، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتقوى، كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}([4]) والفرقان كما قال أهل العلم: هو: النور الذي يفصل به بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال.ولا يخفى على من تأمل أن الاجتهاد في طلب العلم والتفقه في الدين من جملة التقوى، وبذلك يحصل النور والهدى، وهما الفرقان. فالتقوى كلمة جامعة حقيقتها الإيمان والعمل الصالح كما قال الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}([5]) وكما قال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}([6]) فالتقوى حقيقتها إيمان صادق بالله ورسوله، وبما أخبرت به الرسل عما كان وعما يكون، ثم عمل صالح وهو مقتضى الإيمان وموجبه،ومن ذلك التعلم والتفقه في الدين وهما من التقوى كما تقدم ولذلك رتب الله على التقوى الفرقان، لأن من شعبها التعلم والتفقه في الدين والتبصر في ما جاء به المصطفى عليه الصلاة والسلام.فالإنسان قد تضيق أمامه الدروب وتسد في وجهه الأبواب في بعض حاجاته، فالتقوى هي المفتاح لهذه المضائق وهي سبب التيسير لها، كما قال عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}([7]) وقد جرب سلفنا الصالح وهم الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، كما جرب قبلهم رسل الله عليهم الصلاة والسلام الذين بعثهم الله لهداية البشر، وحصلوا بالتقوى على كل خير، وفتحوا بها باب السعادة وانتصروا بها على الأعداء، وفتحوا بها القلوب، وهدوا بها البشرية إلى الصراط المستقيم.وإنما حصلت لهم القيادة للأمم والذكر الجميل والفتوحات المتتابعة بسبب تقواهم لله، وقيامهم بأمره، وانتصارهم لدينه، وجمع كلمتهم على توحيده وطاعته، كما أن الناس في أشد الحاجة إلى تكفير السيئات وحط الخطايا وغفران الذنوب وسبيل هذا هو التقوى، كما قال عز وجل: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}([8]) وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا}([9]) ومن أعظم الأجر الفوز بالجنة والنجاة من النار، وهكذا المسلمون في أشد الحاجة إلى النصر على أعدائهم والسلامةمن مكايد الأعداء ولا سبيل إلى هذا إلا بالتقوى، كما قال عز وجل: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}([10]) فالمسلمون إذا صبروا في طاعة الله وفي جهاد أعدائه واتقوا ربهم في ذلك بإعداد العدة المستطاعة: البدنية والمالية والزراعية والسلاحية وغير ذلك، نصروا على عدوهم. لأن هذا كله من تقوى الله، ومن أهم ذلك إعداد العدة المستطاعة من جميع الوجوه، كالتدريب البدني والمهني والتدريب على أنواع الأسلحة، ومن ذلك إعداد المال وتشجيع الزراعة والصناعة وغير ذلك مما يستعان به على الجهاد، والاستغناء عما لدى الأعداء، وكل ذلك داخل في قوله سبحانه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}([11]) ولا يتم ذلك إلا بالصبر. والصبر من أعظم شعب التقوى وعطفها عليه في قوله سبحانه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا}([12]) من عطف العام على الخاص، فلابد من صبر في جهاد الأعداء، ولابد من صبر في الرباط في الثغور، ولابد من صبر في إعداد المستطاع من الزاد والبدن القوي المدرب، كما أنه لابد من الصبر في إعداد الأسلحة المستطاعة التي تماثل سلاح العدو أو تفوقه حسب الإمكان، ومع هذا الصبر لابد من تقوى الله في أداء فرائضه وترك محارمه والوقوف عند حدوده والانكسار بين يديه والإيمان بأنه الناصر وأن النصر من عنده لا بكثرة الجنود ولا بكثرة العدة ولا بغير ذلك من أنواع الأسباب، وإنما النصر من عنده سبحانه وإنما جعل الأسباب لتطمين القلوبوتبشيرها بأسباب النصر، كما قال جل وعلا: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}([13]) الآية وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}([14]) وقال عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}([15]) الآية. وهذه الأعمال من شعب التقوى، وبهذا يعلم معنى قوله سبحانه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}([16]) فإذا أراد المسلمون النصر والعزة والنجاة في الدنيا والآخرة وتفريج الكروب وتيسير الأمور وغفران الذنوب وتكفير السيئات والفوز بالجنات إلى غير هذا من وجوه الخير فعليهم بتقوى الله عز وجل، والله وصف أهل الجنة بالتقوى فقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}([17]) وقال عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ}([18]) وقال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ}([19]) فبين سبحانه أنه أعد الجنة لأهل التقوى، فعلمت يا أخي أنك في أشد الحاجة إلى أن تتقي ربك، ومتى اتقيته سبحانه حق التقوى فزت بكل خير ونجوت من كل شر، وليس المعنى أنك لا تبتلى، بل قد تبتلى وتمتحن، وقد أبتلي الرسل وهم أفضل الخلق وأفضل المتقين حتى يتبين للناس صبرهموشكرهم وليقتدي بهم في ذلك، فبالابتلاء يتبين صبر العبد وشكره ونجاته وقوته في دين الله عز وجل، كما قال سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ}([20]) وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}([21]) فلا بد من الامتحان والفتنة كما تقدم، وكما قال جل وعلا: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}([22]) وقال سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}([23]) وقال سبحانه: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}([24]).فالاختبار لابد منه، فالرسل وهم خير الناس امتحنوا بأعداء الله. نوح ما جرى عليه من قومه وهكذا هود وصالح وغيرهم وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المتقين وأفضل المجاهدين ورسول رب العالمين. قد علم ما أصابه بمكة وفي المدينة وفي الحروب، ولكنه صبر صبرا عظيما حتى أطهره الله على أعدائه وخصومه، ثم ختم له سبحانه وتعالى بأن فتح عليه مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا، فلما أتم الله النعمة عليه وعلى أمته وأكمل لهم الدين اختاره إلى الرفيق الأعلى وإلى جواره عليه الصلاة والسلام بعد المحنة العظيمة والصبر العظيم والبلاء الشديد، فكيف يطمع أحد بعد ذلك أن يسلم أو يقول متى كنت متقيا أو مؤمنا فلا يصيبني شيء ليس الأمر كذلك بل لابد منالامتحان، ومن صبر حمد العاقبة، كما قال الله جل وعلا: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}([25]) {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}([26]) فالعاقبة الحميدة لأهل التقوى، متى صبروا واحتسبوا وأخلصوا لله وجاهدوا أعداءه وجاهدوا هذه النفوس، فالعاقبة لهم في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}([27]).فأنت يا عبد الله في أشد الحاجة إلى تقوى ربك ولزومها والاستقامة عليها ولو جرى ما جرى من الامتحان، ولو أصابك ما أصابك من الأذى أو الاستهزاء من أعداء الله، أو من الفسقة والمجرمين فلا تبالي، واذكر الرسل عليهم الصلاة والسلام، واذكر أتباعهم بإحسان، فقد أوذوا واستهزئ بهم وسخر بهم ولكنهم صبروا فكانت لهم العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة.فأنت يا أخي كذلك اصبر وصابر فإن قلت ما هي التقوى؟ فقد سبق لك شيء من بيانها، وقد تنوعت عبارات العلماء في التقوى، وروي عن عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين رضي الله عنه ورحمه أنه قال: (ليس تقوى الله بقيام الليل وصيام النهار والتخليط فيما بين ذلك، ولكن التقوى أداء فرائض الله وترك محارمه، فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير) ا هـ. فمن رزق بعد أداء الفرائض وترك المحارم نشاطا في فعل النوافل وترك المكروهات والمشتبهات فهو خير إلى خير. وقال طلق بن حبيب التابعي المشهور رحمه الله:تقوى الله أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تدع معاصي الله على نور من الله تخاف عقاب الله) وقال بعضهم في تفسيرها التقوى طاعة الله ورسوله، وقال آخرون: التقوى: أن تجعل بينك وبين غضب الله وعقابه وقاية تقيك ذلك بفعل الأوامر وترك النواهي، وكل هذه العبارات معانيها صحيحة. فالتقوى حقيقتها هي: دين الإسلام، وهي: الإيمان والعمل الصالح، وهي: العلم النافع والعمل به، وهي: الصراط المستقيم، وهي: الاستسلام لله والانقياد له جل وعلا بفعل الأوامر، وترك النواهي عن إخلاص كامل له سبحانه وعن إيمانه به ورسله، وعن إيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله، إيمانا صادقا يثمر أداء الخير والحذر من الشر والوقوف عند الحدود، وإنما سمى الله دينه تقوى لأنه يقي من استقام عليه عذاب الله وغضبه، ويحسن لربه العاقبة جل وعلا، وسمى هذا الدين إسلاما، لأن المسلم. يسلم نفسه لله وينقاد لأمره، يقال أسلم فلان لفلان أي انقاد له، ولهذا سمى الله دينه إسلاما في قوله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ}([28]) وغيرها من الآيات، لأن المسلم انقاد لأمر الله وذل لعظمته، فالمسلم حقا ينقاد لأمر الله، ويبتعد عن نهيه ويقف عند حدوده، قد أعطى القيادة لربه فهو عبد مأمور، رضاه وأنسه ومحبته ونعيمه في امتثال أمر الله وترك نهيه، هذا هو المسلم الحق.ولهذا قيل له مسلم، يعني منقادا لأمر الله تاركا لمحارمه واقفا عند حدوده، يعلم أنه عبد مأمور عليه الامتثال، ولهذا سميالدين عبادة كما سمي إسلاما، سمي عبادة كما في قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ}([29]) وفي قوله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}([30]) فسمي عبادة. لأن العباد يؤدون أوامر الله ويتركون نواهيه عن ذل وخضوع وانكسار، وعن اعتراف بالعبودية وأنهم مماليك لله وأنه سيدهم، وأنه القاهر فوقهم، وأنه العالم بأحوالهم وأنه المدبر لشؤونهم، فهم عبيد مأمورون ذليلون منقادون لأمره سبحانه وتعالى، فلهذا سمى الله دينه عبادة. لأن العبادة عند العرب هي: التذلل والخضوع والانكسار، يقولون طريق معبد، يعني مذلل قد وطأته الأقدام، ويقولون أيضا: بعير معبد، يعني قد شد ورحل حتى ذل للركوب والشد عليه، فسميت طاعاتنا لله عباده. لأننا نؤديها بالذل والخضوع لله جل وعلا، وسمي العبد عبدا، لأنه ذليل بين يدي الله مقهور مربوب للذي خلقه وأوجده، وهو المتصرف فيه سبحانه وتعالى. وسمي هذا الدين أيضا إيمانا. لأن العباد يؤدونه عن إيمان بالله وتصديق به ورسله، فلهذا سمي دين الله إيمانا لهذا المعنى كما في الحديث الصحيح من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)) أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم، فبين عليه الصلاة والسلام أن الدين كله إيمان وأن أعلاه قول لا إله إلا الله، فعلمنا بذلك أن الدين كله عند الله إيمان، ولهذا قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَوَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}([31]) فسماهم بذلك، لأنك أيها المؤمن بالله واليوم الآخر تؤدي أعمالك وطاعتك وتترك المحارم عن إيمان وتصديق بأن الله أمرك بذلك ونهاك عن المحارم وأنه يرضى منك هذا العمل ويثيبك عليه وأنه ربك ولم يغفل عنك وأنت تؤمن بهذا، ولهذا فعلت ما فعلت فأديت الفرائض وتركت المحارم ووقفت عند الحدود وجاهدت نفسك لله عز وجل.وسمى الدين برا. لأن خصاله كلها خير، وسمى هذا الدين هدى. لأن من استقام عليه فقد اهتدى إلى خير الأخلاق وإلى خير الأعمال، لأن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم ليكمل مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كما في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) وفي حديث أنيس أخي أبي ذر قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى مكارم الأخلاق)) فهذا الدين سمي هدى، لأنه يهدي من استقام عليه إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}([32]) وقال في أهله: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ}([33]) وقال في أهله أيضا: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}([34])وبهذا تعلم يا أخي معنى هذه الألفاظ (الإسلام)، (الإيمان) (التقوى)، (الهدى) (البر): العبادة، إلى غير ذلك.وتعلم أيضا أن هذا الدين الإسلامي قد جمع الخير كله فمناستقام عليه وحافظ عليه وأدى حقه وجاهد نفسه بذلك فهو متق لله، وهو موعود بالجنة والكرامة، وهو موعود بتفريج الكروب وتيسير الأمور، وهو الموعود بغفران الذنوب وحط الخطايا، وهو الموعود بالنصر على الأعداء والسلامة من مكائدهم إذا استقام على دين الله وصبر عليه وجاهد نفسه لله وأدى حق الله وحق عباده، فهذا هو المتقي وهو المؤمن، وهو البر، وهو المفلح، وهو المهتدي والصالح، وهو المتقي لله عز وجل، وهو المسلم الحق.وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا وجميع المسلمين للتقوى، وأن يأخذ بأيدينا جميعا لما يرضيه وأن يجعلنا جميعا من عباده الصالحين ومن حزبه المفلحين، وأن يمن علينا بالاستقامة على تقواه في كل أقوالنا وأعمالنا والدعوة إلى ذلك والصبر عليه إنه سبحانه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. العلم بأحكام الله من أهم الواجبات([35])الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه وعلى آله وصحبه، ومن نهج نهجه وسار على هديه إلى يوم الدين، أما بعد: فإن العلم بأحكام الله أمر ضروري على كل مسلم ومسلمة في كل ما لا يسعهما جهله، ليسيرا في عبادتهما لربهما على هدى وبصيرة.ولا يمكن للإنسان المسلم أن يفهم دينه ويعمل به، إلا إذا عرف أحكامه، وأولاها اهتمامه وعنايته، وبذل جهده وطاقته للإلمام بها، لتكون عبادته لربه بنيت على أساس صحيح ومتين، ومن وفقه الله لمعرفة أحكام هذا الدين، والأخذ بها فقد هدي إلى صراط الله المستقيم، وحصل على خير كثير.يقول الله سبحانه: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الْأَلْبَابِ}([36]) قال الحافظ ابن كثير في تفسيرها: قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه وأمثاله. وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا: الحكمة القرآن. يعني:تفسيره، قال ابن عباس: فإنه قد قرأه البر والفاجر. رواه ابن مردويه، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني بالحكمة: الإصابة في القول. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} ليست بالنبوة، ولكنه العلم والفقه والقرآن، وقال أبو العالية: الحكمة: خشية الله، فإن خشيه الله رأس كل حكمة، وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن عثمان بن زفر الجهني عن أبي عمار الأسدي عن ابن مسعود مرفوعا: ((رأس الحكمة مخافة الله)). وقال أبو العالية في رواية عنه: الحكمة الكتاب والفهم. وقال إبراهيم النخعي: الحكمة: الفهم. وقال أبو مالك: الحكمة: السنة. وقال وهب عن مالك: قال زيد بن أسلم: الحكمة: العقل، قال مالك: (إنه ليقع في قلبي أن الحكمة: هي الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله. ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه عالما بأمر دينه بصيرا به يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا، فالحكمة: الفقه في دين الله). ا. هـ كلام ابن كثير رحمه الله.ولكي ندرك أهمية الفقه في دين الله وأنه نور لحامله والعامل به في الدنيا والآخرة. ولكي ندرك أهميته وجدواه نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) متفق عليه. ويقول عليه الصلاة والسلام: ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة أخرى منها إنما هيقيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)) رواه البخاري ومسلم.ويقول صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.ولقد برّز حبر الأمة وترجمان القرآن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في معرفة الدين فقها وتفسيرا، وتوسع في علوم الشريعة ووعاها ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)) إنها دعوة مباركة من رسول مبارك، تقبلها الله منه عليه الصلاة والسلام، ونعمة أنعم الله بها على ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما، وقد برّز في عهده وقبله وبعده أئمة أفذاذ في أصول الدين وفروعه، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم حملوا أمانة التبليغ والدعوة وأدوها أحسن ما يكون الأداء، وبصروا الناس بدين الإسلام، سواء في حلقات الدروس والمذاكرة والإرشاد المنتشرة في بيوت الله، أو فيما خلفوه من تراث علمي ومؤلفات قيمة في شتى فروع العلم الشرعي وغيره من العلوم الأخرى التي تخدم الشريعة وترتبط بها، وهيأ الله ولاة صالحين يبذلون بسخاء في سبيل نشر العلم وتشجيع العلماء وطلاب العلم.إن التفقه في الإسلام وما اشتمل عليه من أحكام، يقتضي البحث والاطلاع لمعرفة حكم الله في كل قضية تعرض للمسلم في حياته، فلا يتجاوز هذه القضية دون بحث واستقصاء ليصل إلىالحكم بالدليل من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو الإجماع، أو القياس الجلي.والدين الإسلامي بحمد الله واضح لا غموض فيه، ولا التباس في أحكامه وتشريعاته، وقد بينها الله في كتابه المبين وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وحمل لواء هذه السنة وبينها ودافع عنها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان من سلف هذه الأمة وأئمة الشريعة وعلمائها جيلا بعد جيل، ثم تقاعس الكثير من الناس عن البحث والطلب والتحصيل واكتفوا بالتقليد لغيرهم، فوقعوا في أغلاط كثيرة في العقيدة والأحكام.ولقد أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى الصراط المستقيم؟ وهو طريق المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين علموا فعملوا. وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم؛ وهم الذين عرفوا الحق واتبعوا أهواءهم وهم اليهود ومن على شاكلتهم. وأن يجنبنا طريق الضالين. وهم الذين جهلوا الحق وهم النصارى ومن على شاكلتهم.أيها الإخوة المسلمون كيف نعرف أن هذا الماء طاهر أو نجس، أو أن هذا الشراب أو الطعام أو الإناء أو الصيد أو السوار أو اللباس مباح أو حرام أو مكروه أو مستحب، كيف نعرف أن اقتناء هذا المال أو إنفاقه حلال أو حرام، كيف نهتدي إلى العبادات ونعرف أوقاتها وطريقة أدائها، كيف نعرف قسمة المواريث والفرائض، وكيف تقام الحدود وكيف نقيم المعاملات فيما بيننا إلى غير ذلك من تفاصيل العبادات والمعاملات، وما يسمى اليومبالأحوال الشخصية كالنكاح والطلاق وغيرهما.لقد استوعبت ذلك كله شريعتنا المطهرة ولله الحمد، إن دين الإسلام الحنيف قد أكمله الله، وما من شأن من شئون الدنيا والآخرة إلا وفي هذا الدين له حكم وبيان واضح جلي، لمن رزق البصيرة فيه. فهو دين كامل شامل، ليس قاصرا على النواحي التعبدية، ولا شأن له بالنواحي المعاشية كما يرميه بذلك أعداؤه، ومن نهج نهجهم. إنه دين يربط المخلوق بخالقه برباط متين، كما يقيم أفضل علاقة بين الإنسان وأهله وأقاربه، وبين الإنسان وأخيه، سواء كان على دينه أو على غير دينه، قائمة على العدالة والترابط والتسامح والتعاون على البر والتقوى، كما أوضح كيف يعامل الحيوان الأعجم بالرفق والرحمة، والإحسان قبل أن تتظاهر أوروبا بالرفق بالحيوان، من خلال جمعيات أنشأتها لهذا الغرض، وهي لم ترفق بعد بالإنسان ولم ترع حقوقه.فالواجب على المسلمين التفقه في دينهم، وأن لا يتجاوزوا حدود ما أنزل الله، وأن يحرصوا على فهم أحكام دينهم قبل أي شيء، فإن بعض الناس هداهم الله، ووفقهم، قد يحيط بعلوم كثيرة من علوم الحياة ويبرز فيها، ولكنه لا يعلم شيئا من أحكام دينه، وأسرار شريعته ولا يهتم بذلك. وهذا هو الجهل الفاضح والمصيبة العظمى، فإن العلم بأحكام الله يجب أن يكون مقدما على المعارف الأخرى، ولا مانع من التزود بالعلوم والمعارف الأخرى، ولكن لابد من تقديم الأصل الأصيل، والركيزة الأساسية للعلومكلها وهي معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته، واستحقاقه العبادة دون كل ما سواه، ومعرفة دينه عقيدة وسلوكا وعبادة وأحكاما، مما لا يسع المسلم جهله، كما أن الواجب على المسلمين أن يتمسكوا بدينهم بصدق وإخلاص، ويتقبلوا ما يأمرهم به فيعملوا به ويطبقوه في شئون حياتهم كلها دون تمييز، وليعلموا أنهم إن فعلوا ذلك سيسعدون ويفلحون في الدنيا والآخرة.وهذه الأمة شرفها الله بهذا الدين، وأعزها به، فإذا تخاذلت عن ذلك فلا قيمة لها ولا عزة ولا سعادة.فنسأل الله أن يوفقنا والمسلمين جميعا لما فيه رضاه، وأن يعيذنا جميعا من مضلات الفتن، ومن شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وأن يمن علينا جميعا بالفقه في دينه، والثبات عليه والدعوة إليه على بصيرة، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين، وينصر بهم الحق، ويجمعهم على الهدى، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه. |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز الأحد أغسطس 14, 2011 1:43 am | |
| الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبدة ورسوله وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيله إلى يوم الدين. أما بعد:فلقد سمعنا من قارئنا آيات مباركات فيها العظة والذكرى، وبيان أن الله عز وجل يخلق ما يشاء ويختار، وأنه العالم بأحوال العباد وما تكنه صدورهم وما يعلنون، وأنه المحمود جل وعلا في الأولى والأخرى سبحانه وتعالى، وأن المرجع إليه والمصير إليه، وأنه المتفضل بالليل والنهار في مصالح العباد. وأن ذلك من رحمته عز وجل.فما أولانا بتدبر كتابه الكريم، تدبر من يريد العلم، ومن هو مؤمن بهذا الكتاب العظيم، وأنه كلام الله حقا، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، ما أولى أهل العلم بأن يتدبروا هذا الكتاب العظيم، وأن يعنوا به غاية العناية، قاصدين معرفة مراد ربهم عز وجل، والعمل بذلك، عملا بقوله عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}([2]) وبقوله سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}([3]) مستشعرين قوله عز وجل:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}([4]) {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}([5]).فوصيتي قبل كلمتي: العناية بهذا الكتاب العظيم، تدبرا وتعقلا، وإكثارا من تلاوته، وعملا بالمعنى. فهو أنزل ليعمل به، لا لمجرد التلاوة. فأسأل الله للجميع التوفيق.أما كلمتي هذه الليلة، فأرجو أن تكون موجزة، وهي كما قال المقدم (العلم وأخلاق أهله): العلم معلوم لدى الجميع فضله، وأن أشرف شيء يطلبه الطالبون ويسعى في تحصيله الراغبون هو العلم الشرعي، فإن العلم يطلق على أشياء كثيرة، ولكن عند علماء الإسلام المراد بالعلم هو: العلم الشرعي، وهو المراد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عند الإطلاق وهو: العلم بالله وبأسمائه وصفاته، والعلم بحقه على عباده، وبما شرعه لهم سبحانه وتعالى.والعلم بالطريق والصراط الموصل إليه، وتفاصيله، والعلم بالغاية والنهاية التي ينتهي إليها العباد في الدار الأخرى.هذا العلم الشرعي هو أفضل العلوم وهو الجدير بالطلب والحرص على تحصيله، لأنه به يعرف الله سبحانه وتعالى وبه يعبد. وبهذا العلم يعرف ما أحل الله وما حرم وما يرضيه وما يسخطه.وبهذا العلم يعرف المصير إليه والنهاية من هذه الحياة،. وأن قسما من هؤلاء المكلفين ينتهون إلى الجنة والسعادة، وأن الآخرين وهمالأكثرون ينتهون إلى دار الهوان والشقاء، وقد نبه أهل العلم على هذا وبينوا أن العلم ينحصر في هذا المعنى، وممن نبه عليه القاضي ابن أبي العز شارح الطحاوية في أول شرحه، ونبه عليه غيره كابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة آخرين.وهو واضح ويتفاوت في الفضل بحسب متعلقاته، فأفضله وأعظمه وأشرفه ما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته، وهو علم العقيدة، فإن الله جل وعلا له المثل الأعلى سبحانه وتعالى. وهو الوصف الأعلى من جميع الوجوه في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.ثم يلي ذلك ما يتعلق بحقه على عباده، وما شرعه من الأحكام، وما ينتهي إليه العاملون ثم ما يتبع ذلك مما يعين عليه، ويوصل إليه من علم قواعد العربية، والمصطلحات الإسلامية في أصول الفقه، ومصطلح الحديث، وفي غير ذلك مما يتعلق بذلك العلم ويعين عليه، وعلى فهمه، والكمال فيه.ويلتحق بذلك علم السيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي، وتراجم رجال الحديث وأئمة الإسلام، ويلتحق بذلك كل ما له صلة بهذا العلم. وقد شرف الله أهل هذا العلم، ونوه بهم وعظم شأنهم سبحانه، واستشهدهم على توحيده، والإخلاص له، حيث قال عز وجل: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}([6]) فاستشهد أهل العلم على وحدانيته مع الملائكة، فالملائكة عليهم السلام، وأولو العلم الشرعي همالشهداء على توحيد الله والإخلاص له، وأنه رب العالمين، وأنه الإله الحق، وأن العبادة لغيره باطلة، وكفى بها شرفا لأهل العلم، حيث استشهدهم على وحدانيته واستحقاقه في العبادة سبحانه وتعالى، وبين جل وعلا أنهم لا يستوون مع غيرهم بقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}([7]) ويقول عز وجل: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}([8]).فلا يستوي هؤلاء وهؤلاء، لا يستوي من يعلم أن ما أنزل الله هو الحق وهو الهدى، وهو طريق السعادة، مع الذين قد عموا عن هذا الطريق، وعن هذا العلم، فرق عظيم بين هؤلاء وهؤلاء، فرق بين من عرف الحق، واستضاء بنوره وسار على هداه إلى أن لقي ربه وفاز بالكرامة والسعادة، وبين من عمي عن هذا الطريق، واتبع هواه وسار في طريق الشيطان والهوى.لا يستوي هؤلاء وهؤلاء، وقد بين الله سبحانه أنه يرفع درجات أهل العلم وما ذلك إلا لعظيم آثارهم في الناس، ونفعهم لهم. ولهذا قال أهل العلم: ما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح آثار الناس عليهم.فآثارهم بتوجيه الناس إلى الخير، وإرشادهم إلى الحق، وتوصيلهم للهدى، وهي آثار عظيمة شكرها الله لهم، وشكرها المؤمنون، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام: فهم الهداةوالدعاة وهم أعلم الناس بالله وبشريعته، وأفضل الناس بعد الرسل وأتبعهم لهم، وأعلمهم بما جاؤوا به، وأكملهم دعوة إليه، وصبرا عليه، وإرشادا إليه: قال جل وعلا: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}([9]) وقال سبحانه وتعالى {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}([10]) وبين عز وجل أن أهل العلم هم الذين يخشونه على الحقيقة والكمال، وإن كانت الخشية موجودة من المؤمنين عموما، ومن بعض الآخرين، ولكن خشية الله على الكمال والحقيقة للعلماء، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}([11]) يعني: الخشية الكاملة.والعلماء هم: العارفون بالله وبأسمائه وبصفاته، وبشريعته التي بعث بها رسله، ولهذا قال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام لما قال له بعض الناس مستثقلا العلم الذي أرشده إليه: لسنا مثلك يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال: ((أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)).فالعلماء بالله وبدينه وبأسمائه وصفاته هم أخشى الناس لله، وأقوى الناس في الحق على حسب علمهم به، وعلى حسب درجاتهم في ذلك، وأعلاهم في هذا وأكملهم فيه هم الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهم أخشى الناس لله، وأتقاهم له، وقد جاءتالأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان فضل العلم، وتكاثرت في ذلك.فمن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة)) خرجه مسلم في صحيحه رحمه الله. فهذا يدلنا على أن طلاب العلم على خير عظيم، وأنهم على طريق نجاة وسعادة لمن أصلح الله نيته في طلب العلم وابتغى به وجه الله عز وجل، وقصد العلم لنفس العلم، وللعمل، لا لأجل الرياء والسمعة، أو لأجل مقاصد أخرى، من المقاصد العاجلة، وإنما يتعلمه لمعرفة دينه، والبصيرة بما أوجب الله عليه، وليسعى في إخراج الناس من الظلمات إلى النور فيعلم ويعمل ويعلم غيره من المقاصد الحسنة التي أمر المسلم بها، فكل طريق يسلكه في طلب العلم فهو طريق إلى الجنة، ويعم ذلك جميع الطرق الحسية والمعنوية: فسفره من بلاد إلى بلاد أخرى، وانتقاله له من حلقة إلى حلقة ومن مسجد إلى مسجد بقصد طلب العلم، فهذا كله من الطرق لتحصيل العلم. وهكذا المذاكرة في كتب العلم والمطالعة والكتابة، كلها من الطرق أيضا.فجدير بالطالب أن يعنى بجميع الطرق الموصلة إلى العلم، وأن يحرص عليها قاصدا وجه ربه عز وجل، يريد الله والدار الآخرة، يريد أن يتفقه في دينه وأن يتبصر به، يريد أن يعرف ما أوجب الله عليه، وما حرم عليه، يريد أن يعرف ربه على بصيرة وبينة، ثم يعمل بذلك، يريد أن ينقذ الناس، ويكون من دعاةالهدى، وأنصار الحق، ومرشدا إلى الله على علم وهدى، فهو حيثما تصرف على خير عظيم بهذه النية الصالحة، حتى نومه من طرق الجنة، إذا نام: ليتقوى على طلب العلم، وأداء الدرس كما ينبغي، ليتقوى على حفظ كتاب في العلم، ليتقوى على السفر في طلب العلم، فنومه عبادة، وسفره عبادة، وتصرفاته الأخرى بهذه النية عبادة، بخلاف من ساءت نيته، فهو على خطر عظيم، جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة)) رواه أبو داود رحمه الله بإسناد جيد.وهذا وعيد عظيم لمن ساءت نيته. وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه فالنار النار)).وتعلم العلم يكون بمعرفته والعمل به لله، لأن الله أمر بذلك، وجعله وسيلة لمعرفة الحق، وجاء في الحديث الصحيح: ((أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة منهم الذي طلب العلم وقرأ القرآن لغير الله ليقال هو عالم وليقال له قارئ)) ولا حول ولا قوة إلا بالله.فعليك يا عبد الله، أيها الطالب للعلم: عليك بإخلاص العبادة والنية لله وحده، وعليك بالجد والنشاط في سلوك طرق العلم والصبر عليها، ثم العمل بمقتضى العلم، فإن المقصود هو العمل، وليس المقصود هو أن تكون عالما، أو تعطى شهادة راقية في العلم، فإن المقصود من وراء ذلك كله هو أن تعمل بعلمك،وأن توجه الناس إلى الخير، وأن تكون من خلفاء الرسل عليهم الصلاة والسلام في الدعوة إلى الحق، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) متفق على صحته.فهذا يدل على فضل العلم وأن من علامات الخير والسعادة، ومن علامات التوفيق، وأن الله أراد بالعبد خيرا أن يفقهه في دينه، وأن يتبصر في ذلك، حتى يعرف الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وحتى يعرف ربه بأسمائه وصفاته، وعظيم حقه، وحتى يعرف النهاية لأولياء الله ولأعدائه.فالنهاية لأولياء الله: الجنة والسعادة بجوار الرب الكريم، والنظر إلى وجهه سبحانه وتعالى، في دار الكرامة.والنهاية لأعداء الله: دار النكال والعذاب والهوان، والحجاب عن الله عز وجل.وبهذا نعلم عظم العلم وشرفه، وأنه أفضل شيء وأشرفه لمن أصلح الله نيته؛ لأنه يتوصل به إلى معرفة أفضل واجب، وأعظم واجب، وهو توحيد الله والإخلاص له، ويتوصل به أيضا إلى معرفة أحكام الله، وما أوجب على عباده، فهو واجب عظيم يوصل إلى أداء واجبات عظيمة، لا سعادة للعبد، ولا نجاة لهم، إلا بالله ثم بالعلم بها، والتمسك بها والاستقامة عليها.والعلماء الذين أظهروا العلم هم خيرة الناس، وأفضلهم على وجه الأرض، وعلى رأسهم أئمتهم الرسل عليهم الصلاة والسلام، والأنبياء، فهم القدوة والأساس في الدعوة والعلموالفضل، ويليهم أهل العلم على طبقات: فكل من كان أعلم بالله وبأسمائه وصفاته، وأكمل في العمل والدعوة كان أقرب الناس من الرسل، ومن درجاتهم ومنازلهم في الجنة فأهل العلم هم أئمة هذه الأرض ونورها وسرجها، وهم أولى بها من غيرهم، يرشدون الناس إلى طريق السعادة، ويهدونهم إلى أسباب النجاة، ويقودونهم إلى ما فيه رضا الله جل وعلا، والوصول إلى كرامته والبعد عن أسباب غضبه وعذابه.فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وهم أئمة الناس بعد الأنبياء يهدون إلى الله، ويرشدون إليه، ويعلمون الناس دينهم. فأخلاقهم عظيمة، وصفاتهم حميدة. علماء الحق، علماء الهدى، هم خلفاء الرسل، الذين يخشون الله ويراقبونه ويعظمون أمره، وهو من تعظيمه سبحانه. هؤلاء أخلاقهم أرفع الأخلاق وأسماها، لأنهم سلكوا مسلك الرسل، وساروا على نهجهم وطريقهم في الدعوة إلى الله على بصيرة، والتحذير من أسباب غضبه والمسارعة إلى ما عرفوا من الخير قولا وعملا، والابتعاد عما عرفوا من الشر قولا وعملا، فهم القدوة، والأسوة بعد الأنبياء، في أخلاقهم العظيمة، وصفاتهم الحميدة، وأعمالهم الجليلة، وهم يعملون ويعلمون، ويوجهون طلابهم إلى أسمى الأخلاق وخير السبل.وسبق أن العلم قال الله قال رسوله، هذا هو العلم الشرعي، هو العلم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل يعين على ذلك. فالواجب على أهل العلم، أن يتمسكوا بهذا الأساس العظيم، وأن يدعوا الناس إليه وأن يوجهوا طلابهم إليه، وأن يكون الهدفدائماً العلم بما قال الله، وقال رسوله، والعمل بذلك، وتوجيه الناس وإرشادهم إلى ذلك. ولا يجوز التفرق والاختلاف ولا الدعوة إلى حزب فلان وحزب فلان، ورأي فلان، وقول علان. وإنما الواجب أن تكون الدعوة واحدة إلى الله ورسوله، إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، لا إلى مذهب فلان، أو دعوة علان، ولا إلى الحزب الفلاني، والرأي الفلاني. يجب على المسلمين أن تكون طريقتهم واحدة، وهدفهم واحدا، وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.وأما ما جرى من الاختلاف بين أهل العلم في المذاهب الأربعة وغيرها، فالواجب أن يؤخذ منه ما هو أقرب إلى الصواب، وهو القول الذي هو أقرب إلى ما قاله الله ورسوله نصا أو بمقتضى قواعد الشريعة.فإن الأئمة المجتهدون إنما هدفهم ذلك، وقبلهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وهم الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهم أعلم الناس بالله وأفضلهم وأكملهم علما وخلقا.فقد كانوا يختلفون في بعض المسائل، ولكن دعوتهم واحدة، وطريقهم واحد، يدعون إلى كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا من بعدهم من التابعين، وأتباع التابعين: كالإمام مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الهدى: كالأوزاعي والثوري وابن عيينة وإسحاق بن راهويه، وأشباههم من أهل العلم والإيمان، دعوتهم واحدة، وهي الدعوة إلى كتاب الله، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانوا ينهون أتباعهم عن تقليدهم، ويقولون: خذوا من حيث أخذنا، يعنون من الكتاب والسنة.ومن جهل الحق وجب عليه أن يسأل أهل العلم المعروفين بالعلم والفضل، وحسن العقيدة والسيرة، ويتبصر في ذلك، مع تقدير العلماء، ومعرفة فضلهم، والدعاء لهم بمزيد من التوفيق وعظيم الأجر، لأنهم سبقوا إلى الخير العظيم، وعلموا وأرشدوا، وأوضحوا الطريق، فرحمة الله عليهم، فلهم فضل السبق، وفضل علمهم ودعوتهم إلى الله: من الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم والإيمان. فيعرف لهم قدرهم وفضلهم، ويترحم عليهم ويتأسى بهم في النشاط في العلم والدعوة إلى الله، وتقديم ما قاله الله ورسوله على غيره، والصبر على ذلك، والمسارعة إلى العمل الصالح، يتأسى بهم في هذه الفضائل العظيمة، ويترحم عليهم، ولكن لا يجوز أبدا أن يتعصب لواحد منهم مطلقا، وأن يقال: قوله هو الصواب مطلقا بل يقال: كل واحد قد يخطئ ويصيب. والصواب فيما وافق ما قاله الله ورسوله، وما دل عليه شرع الله من طريق الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم، فإذا اختلفوا وجب الرد إلى الله ورسوله، كما قال سبحانه وتعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}([12]) وقال عز وجل: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}([13]) هكذا قال أهل العلم قديما وحديثا.ولا يجوز أبدا التعصب لزيد أو عمرو، ولا لرأي فلان أو علان، ولا لحزب فلان أو الطريقة الفلانية، أو الجماعة الفلانية،كل هذا من الأخطاء الجديدة، التي وقع فيها كثير من الناس.فيجب أن يكون المسلمون هدفهم واحد، وهو اتباع كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام في جميع الأحوال، في الشدة والرخاء، في العسر واليسر، في السفر والإقامة، وفي جميع الأحوال، وعند اختلاف أهل العلم ينظر في أقوالهم، ويؤيد منها ما وافق الدليل من دون تعصب لأحد من الناس.أما العامة وأشباه العامة، فيسألون أهل العلم، ويتحرون في أهل العلم، من هو أقرب إلى الخير وأقرب إلى السداد والاستقامة، يسألونه عن شرع الله، وهو يعلمهم بذلك ويرشدهم إلى الحق، حسب ما جاء في الكتاب والسنة، وأجمع عليه أهل العلم.والعالم يعرف: بصبره وتقواه لله، وخشيته له سبحانه وتعالى، ومسارعته إلى ما أوجب الله ورسوله، وابتعاده عما حرم الله ورسوله.هكذا يكون العالم سواء كان مدرسا أو قاضيا أو داعيا إلى الله، أو في أي عمل، فواجبه أن يكون قدوة في الخير، وأن يكون أسوة في الصالحات، يعمل بعلمه ويتق الله أين ما كان، ويرشد الناس إلى الخير، حتى يكون قدوة صالحة لطلابه، ولأهل بيته ولجيرانه ولغيرهم ممن عرفه، يتأسون به: بأقواله وأعماله الموافقة لشرع الله عز وجل.وعلى طالب العلم أن يحذر غاية الحذر من التساهل فيما أوجب الله، أو الوقوع فيما حرم الله، فإنه يُتأسى به في ذلك، فإذا تساهل تساهل غيره، وهكذا في السنة والمكروهات، ينبغي له أن يحرص على تحري السنن، وإن كانت غير واجبة ليعتادها وليتأسىالناس به فيها، وأن يبتعد عن المكروهات والمشتبهات حتى لا يتأسى به الناس فيها.فطالب العلم له شأن عظيم، وأهل العلم هم الخلاصة في هذا الوجود، فعليهم من الواجبات والرعاية ما ليس على غيرهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)).فأهل العلم رعاة وهداة، فعليهم أن يعنوا برعيتهم، الشعوب رعية لهم فعليهم أن يعنوا بهذه الرعية، وأن يخلفوا الله فيها، وأن يرشدوها إلى أسباب النجاة، ويحذروها من أسباب الهلاك، وأن يغرسوا فيما بينهم حب الله ورسوله، والاستقامة على دين الله. والشوق إلى الله وإلى جنته وكرامته، والحذر من النار، فالنار بئس المصير. يجب الحذر منها، والتحذير منها، وأولى الناس بهذا الأمر هم العلماء، وطلاب العلم، هكذا يكون حالهم أبدا، وهكذا تكون أخلاقهم أبدا، مسارعة إلى مرضاة الله، وابتعاد عن معاصي الله، ودعوة إلى الله، وإرشاد إليه، ووقوف عند حدوده، وأخذ بالأحوط دائما، وبعد عما حرم الله، وعما كرهه الله، حتى يتأسى بهم إخوانهم من المؤمنين، وحتى يتأثر بهم المسلمون أينما كانوا وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم إلى ما يرضيه، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصالحين مصلحين، كما أسأله سبحانه أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويوفق ولاة أمر المسلمين لكل ما فيه رضاه، وصلاح العباد والبلاد، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يمنعليهم بتحكيم شريعة الله بين عباده والتحاكم إليها، ونبذ ما خالفها.أما العلوم الأخرى فلها شأن آخر من استخراج المعادن، وشئون الزراعة والفلاحة وسائر أنواع الصناعات النافعة، وقد يجب منها ما يحتاجه المسلمون، ويكون فرض كفاية، ولولي الأمر فيها أن يأمر بما يحتاجه المسلمون، ويساعد أهلها في ذلك، أي بما يعينهم على نفع المسلمين، والإعداد لعدوهم. وعلى حسب نية العبد تكون أعماله عبادة لله عز وجل، متى صلحت النية، وخلصت لله، وإذا فعلها بدون نية كانت من المباحات أعني: أنواع الصناعات المباحة، واستخراج المعادن والزراعة والفلاحة وغير ذلك.وكلها أمور مطلوبة ومع صلاح النية تكون عبادة، ومع خلوها من ذلك تكون أمورا مباحة، وقد تكون فرض كفاية في بعض الأحيان، إذا دعت الحاجة إليها، ووجب على ولي الأمر أن يلزم بذلك من هو أهل لها، فهي أمور لها شأنها، ولها أحوالها الداعية إليها، وتختلف بحسب النية، وبحسب الحاجة.أما علم الشرع فلابد منه، والله خلق الثقلين ليعبدوه، وليتقوه ولا سبيل إلى هذا إلا بعلم الشرع، علم الكتاب والسنة كما تقدم. وأنتم معشر الطلبة بحمد الله هنا في الجامعة الإسلامية، جئتم من أقطار كثيرة، ومن أجناس متنوعة للتفقه في الدين، وتعلم أحكام الله والتبصر في ذلك، ولمعرفة العقيدة السلفية الصحيحة التي سارعليها الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم وسار عليها أتباعهم بإحسان، وهي الإيمان بالله ورسوله، والإيمان بأسماء الله وصفاته، وإمرارها كما جاءت على الوجه الذي يليق بالله سبحانه وتعالى، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ولا زيادة ولا نقصان.هكذا درج أهل العلم على الطريقة التي درج عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ودرج عليها أصحابهم وأتباعهم بإحسان.فنسأل الله أن يمنحكم التوفيق، وأن يعينكم على كل ما فيه رضاه، وأن يردكم إلى بلادكم في غاية من التوفيق والتقوى والعلم والإيمان. وأن يهدي بكم العباد، ويصلح بكم الأحوال، إنه جل وعلا على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد عبد الله ورسوله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان. على طريق العلم([14])الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فمما لا شك فيه أن العلم هو الدعامة الأساسية التي ترتكز عليها مقومات الحياة البشرية، وأولى العلوم بالاهتمام والعناية هو معرفة علم الشريعة الإسلامية، إذ به تعرف الحكمة التي خلقنا الله سبحانه وتعالى لأجلها، وأرسلت الرسل لتحقيقها، وبه عرف الله، وبه عبد، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}([15]) وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}([16]) وبهاتين الآيتين علمت الحكمة في خلق الجن والإنس، والحكمة في إرسال الرسل وأي أمة لا عقيدة لها صحيحة، ولا دين عندها صحيح، فهي أمة جاهلة مهما بلغت من الرقي والتقدم في نواحي الحياة، كما قال سبحانه: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}([17]) والحياة الطيبة هي حياة أهل العلم والإيمان، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}([18]) وقال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}([19]) والعلم النافع لا يمكن الحصول عليه إلا بواسطة المعلم، ولا يمكن لأي إنسان أن يكون معلما إلا إذا كان عالما بالمادة التي يعلمها غيره إذ فاقد الشيء لا يعطيه، والعلماء هم ورثة الأنبياء، ولذلك كانت مهمة المعلم من أصعب المهام لما تتطلبه من الاتصاف بأكمل الصفات حسب الإمكان، من علم نافع، وخلق كريم وعمل صالح متواصل وصبر ومصابرة وتحمل للمشاق في سبيل إصلاح الطالب، وتربيته تربية إسلامية نقية، وبقدر ما تتوفر صفات الكمال في المدرس يكون نجاحه في مهمته.وقدوة الجميع وإمامهم هو سيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله الهاشمي العربي المكي ثم المدني عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، فلقد كان أكمل الناس في كل الصفات الكريمة، وقد لاقى في توجيه الناس، وتعليمهم الصعوبات الكثيرة، والمشاق العظيمة فصبر على ذلك، وتحمل كل مشقة وصعوبة في سبيل نشر دينه، وإخراج أمته من الظلمات إلى النور، فجزاه الله عن ذلك أفضل الجزاء الحسن وأكمله. وقد تربى على يديه الكريمتين جيل صالح يعتبر أفضل الأجيال التي عرفتها البشرية في تاريخها الطويل. ومعلوم أن ذلك ناشئ عن حسن تربيته وتوجيهه لأصحابه، وصبره على ذلك بعد توفيق الله لهم وأخذه بأيديهم إلى الحق سبحانه وتعالى.إذا علم ذلك فإن من أهم المهمات في حق المعلم في كل مكان وزمان أن يسير على نهج المعلم الأول محمد صلى الله عليه وسلم وأن يجتهد في معرفة ذلك حتى يطبقه في نفسه، وفي طلابه حسب الإمكان، وما أشد حاجة الأمة في هذا العصر الذي كثر فيه دعاة الهدم وقل فيه دعاة البناء والإصلاح إلى المعلم الصالح الذي يتلقى علومه، وما يربي به طلابه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وينشر بينهم أخلاق السلف الصالح من الصدق والأمانة والإخلاص في العمل وتعظيم الأوامر والنواهي والمسابقة إلى كل فضيلة والحذر من كل رذيلة.وبما تقدم يعلم أن مهمة المعلم مع كونها من أصعب المهام فهي مع ذلك من أشرف الوظائف، وأعظمها نفعا وأجلها قدرا إذا وفق صاحبها للإخلاص وحسنت نيته، وبذل جهده، كما أن له من الأجر مثل من انتفع بعلمه.وفي الحديث الشريف يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)) ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) ولا ريب أن المعلم هو المربي الروحي للطالب، فينبغي أن يكون ذا أخلاق فاضلة، وسمت حسن حتى يتأسى به تلامذته، كما ينبغي أن يكون محافظا على المأمورات الشرعية، بعيدا عن المنهيات، حافظا لوقته، قليل المزاح واسع البال، طلق الوجه، حسن البشر، رحب الصدر، جميل المظهر، ذا كفاية ومقدرة وسعة اطلاع، كثير العلم بالأساليب العربية ليتمكن من تأدية واجبه على أكمل وجه، ولا شك أن من يعني بدراسة النفس البشرية من كافة النواحي ويبحث عن الأسباب الموصلة إلى معرفةالطريقة التي يمكن بواسطتها غرس العلوم في هذه النفس بسهولة ويسر سوف يحصل على نتائج طيبة في كشف خفاياها وما انطوت عليه من مشاعر وأحاسيس ومدى تقبلها للمعلومات المراد غرسها فيها.وسيخرج من تلك الدراسة والبحث بمعلومات هي في الحقيقة من القواعد العامة التي يقوم عليها صرح التعليم. وهذه القواعد يمكن إجمالها في أنه إذا ما أراد أي معلم أن يغرس معلوماته في أذهان تلامذته فلابد له قبل كل شيء أن يكون ذا إلمام تام بالدرس الذي وكل إليه القيام به، وذا معرفة بالغة بطرق التدريس، وكيفية حسن الإلقاء، ولفت نظر طلابه بطريقة جلية واضحة إلى الموضوع الأساسي للدرس، وحصره البحث في موضوع الدرس دون الخروج إلى هوامش قد تبلبل أفكار التلاميذ، وتفوت عليهم الفائدة، وأن يسلك في تفهيمهم للعلوم التي يلقيها عليهم طرق الإقناع مستخدما وسائل العرض والتشبيه والتمثيل، وأن يركز اهتمامه على الأمور الجوهرية التي هي القواعد الأساسية لكل درس من الدروس، وأن يغرس في نفوسهم كليات الأشياء، ثم يتطرق إلى الجزئيات شيئا فشيئا، إذ المهم في كل أمر أصله، وأما الفروع فهي تبع للأصول، وأن يركز المواد ويقربها إلى أذهان التلاميذ، وأن يحبب إليهم الدرس ويرغبهم في الإصغاء إليه ويعلمهم بفائدته وغايته، أخذا في الحسبان تفهيم كل طالب ما يلائمه وباللغة التي يفهمها، فليس كل الطلبة على حد سواء، وأن يفسح المجال للمناقشة معهم وتحمل الأخطاء التي تأتي في مناقشاتهم لكونها ناتجة عنالبحث عن الحقائق، وأن يشجعهم على كل بحث يفضي إلى وقوفهم على الحقيقة آخذا في الحسبان عوامل البيئة والطباع والعادات والمناخ، لأن لتلك الأمور تأثيرا بالغا في نفسيات التلاميذ ينعكس على أفهامهم وسيرتهم وأعمالهم.ولهذا فإن من المسلّم به أن المعلم النابه الذكي الآخذ بهذه الأمور يكون تأثيره على تلامذته أبلغ من تأثير من دونه من المعلمين. ومهمة المعلم أشبه ما تكون بمهمة الطبيب. ومن واجبه أن يعرف ميول طلابه ومدى حظ كل منهم من الذكاء، وعلى أساس هذه المعرفة يقدر المقاييس الأساسية التي يسير عليها نهجها في مخاطبة عقولهم وأفهامهم. وتلك من أهم أسباب نجاح المعلم في مهمته.وأهم العلوم الواجب تعليمها على الإطلاق هو العناية بإصلاح العقيدة على ضوء الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح، ثم العناية ببقية العلوم الشرعية، ثم العلوم الأخرى التي لا غنى للبشر عنها شريطة أن لا يكون. من نتائج تلك العلوم الإعراض عن العلم الأساسي الذي خلق الخلق لأجله، وأن تسخر هذه العلوم للمصلحة العامة دون أن تقف حجرا في طريق العلم النافع. ولقد هدى الله من هدى لتعلم العلم النافع وتعليمه بتوفيق منه وفضل وحكمة بالغة فنفع الله بهم العباد والبلاد وفازوا بالذكر الجميل، والسمعة الحسنة، ومضاعفة الأجر، وحسن العاقبة، وحرم التوفيق آخرين بسبب تنكبهم الطريق السوي فكانت علومهم وبالا عليهم وعلى تلاميذهم فضلوا في متاهات الكفر والإلحاد والزندقة وأضلوا غيرهم فباءوا بمثل إثمهم من عدله سبحانه وحكمته وجزائه لمن حاد عن الحقوتنكب الصراط السوي وتابع الهوى أن يبوء بالخذلان والزيغ عن الهدى، كما قال سبحانه: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}([20]) وقال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}([21]) والآيات في هذا المعنى كثيرة.ونسأل الله أن يرزقنا وسائر المسلمين العلم النافع والعمل الصالح، وأن يلطف بنا جميعا ويمن علينا بالفقه في دينه والثبات عليه، وأن يصلح ولاة أمر المسلمين وقادتهم وينصر بهم الحق إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين. نصيحة لطلبة العلم([22])الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله، نبينا محمد وآله وصحبه. أما بعد: فلا ريب أن طلب العلم من أفضل القربات، ومن أسباب الفوز بالجنة والكرامة لمن عمل به. ومن أهم المهمات الإخلاص في طلبه، وذلك بأن يكون طلبه لله لا لغرض آخر، لأن ذلك هو سبيل الانتفاع به، وسبب التوفيق لبلوغ المراتب العالية في الدنيا والآخرة.وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)) يعني ريحها، أخرجه أبو داود بإسناد حسن.وأخرج الترمذي بإسناد فيه ضعف عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من طلب العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء أو ليصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار)) فأوصي كل طالب علم، وكل مسلم يطلع على هذه الكلمة، بالإخلاص لله في جميع الأعمال عملا بقول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}([23]) وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يقول الله عزوجل أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)).كما أوصى كل طالب علم، وكل مسلم، بخشية الله سبحانه، ومراقبته في جميع الأمور، عملا بقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}([24]) وقوله سبحانه: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}([25]) قال بعض السلف: (رأس العلم خشية الله) وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار به جهلا) وقال بعض السلف: (من كان بالله أعرف كان منه أخوف) ويدل على صحة هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له)) فكلما قوي علم العبد بالله كان ذلك سببا لكمال تقواه وإخلاصه ووقوفه عند الحدود وحذره من المعاصي.ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}([26]) فالعلماء بالله وبدينه، هم أخشى الناس لله، وأتقاهم له، وأقومهم بدينه، وعلى رأسهم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم أتباعهم بإحسان. ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات السعادة أن يفقه العبد في دين الله، فقال عليه الصلاة والسلام، ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) أخرجاه في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه، وما ذاك إلا لأن الفقه في الدين يحفز العبد على القيام بأمر الله، وخشيته وأداء فرائضه، والحذر منمساخطه ويدعوه إلى مكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والنصح لله ولعباده.فأسأل الله عز وجل أن يمنحنا وجميع طلبة العلم وسائر المسلمين الفقه في دينه، والاستقامة عليه، وأن يعيذنا جميعاً من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه. حكم من درس القوانين الوضعية أو تولى تدريسهامن عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم فضيلة الشيخ أحمد بن ناصر بن غنيم زاده الله من العلم والإيمان وجعله مباركا أينما كان آمين.سلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد: فقد وصلني كتابكم الكريم المؤرخ 3/5/1397هـ وصلكم ا |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز الأحد أغسطس 14, 2011 1:46 am | |
| ولا شك أن الطلبة الذين يدرسون بعض القوانين الوضعية أو المدخل إليها في معهد القضاء أو في معهد الإدارة لا يقصدون بذلك أن يحكموا بما خالف شرع الله منها، وإنما أرادوا أو أريد منهم أن يعرفوها ويقارنوا بينها وبين أحكام الشريعة الإسلامية ليعرفوا بذلك فضل أحكام الشريعة على أحكام القوانين الوضعية، وقد يستفيدون من هذه الدراسة فوائد أخرى تعينهم على المزيد من التفقه في الشريعة والاطمئنان إلى عدالتها، ولو فرضنا أنه قد يوجد من بينهم من يقصد بتعلمها الحكم بها بدلا من الشريعة الإسلامية ويستبيح ذلك لم يجز أن يحكم على الباقين بحكمه؟ لأن الله سبحانه يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}([1]) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يجني جان إلا على نفسه)) وبما ذكرنا يتضح لفضيلتكم أن القدح في إمامة الطلبة المذكورين والحكم بعدم صحة الصلاة خلفهم أمر لا تقره الشريعة، ولا يقره أهل العلم، وليس له أصل يرجع إليه، وأرجو أن يكون ما ذكرته مزيلا لما وقع في نفس فضيلتكم من الشك في أمر الطلبة المذكورين في القسم الأول، أو تفسيقهم أو تكفيرهم، أما القسم الثاني فإنه لا شك في فسقهم، وأما القسم الثالث فإنه لا شك في كفر أهله وعدم صحة الصلاة خلفهم.وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنحني وإياكم وسائر إخواننا الفقه في دينه والثبات عليه، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ومن مضلات الفتن إنه سميع قريب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.كلمة في المؤتمر الأول للدعوة والدعاة المنعقد فيالمدينة المنورة عام 1397 هـ([2]) [بعد عصر يوم السبت الرابع والعشرين من شهر صفر سنة 1397هـ افتتح المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة، وقد افتتح المؤتمر سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد نيابة عن صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبد العزيز نائب جلالة الملك وولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأعلى للجامعة الإسلامية، وهذا نص كلمة سماحته].الحمد لله رب العالمين الذي خلق الثقلين لعبادته وأمرهم بها في كتابه المبين وعلى لسان رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، وأرسل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ليدعوا الناس إليها وليبينوها لهم، وختمهم بأفضلهم وإمامهم نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وجعل رسالته عامة لجميع العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل في كتابه الكريم: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}([3]) والآمر نبيه أن يدعو إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، والذي أمره أن يدعو الناس إلى سبيله، وأخبرأن الدعاة إليه على بصيرة هم أتباعه على الحقيقة، فقال عز من قائل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}([4]).وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأمينه على وحيه وصفوته من خلقه، أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للسالكين وحجة على العباد أجمعين، أرسله شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا فهدى به من الضلال وبصر به من العمى، وجمع به بعد الفرقة، وأغنى به بعد العيلة، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، وهدى به العباد إلى صراطه المستقيم، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.أما بعد: أيها الإخوة الكرماء أعضاء هذا المؤتمر، باسم الله العظيم أفتتح هذا المؤتمر العالمي: (مؤتمر توجيه الدعوة وإعداد الدعاة) نيابة عن سمو الأمير الكريم فهد بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية ونائب رئيس مجلس الوزراء لمشاغله الكثيرة التي حالت بينه وبين حضور هذا المؤتمر، وأسأل الله عز وجل أن يمنحه التوفيق والإعانة على كل خير، وأن يسدد خطاه، وأن يبارك في أعماله.أيها الإخوة الأعزاء أعضاء المؤتمر، يسرني أني أحييكم تحية الإسلام، وأن أرحب بكم أجمل الترحيب، فأقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا وسهلا بكم في بلادكم وبين إخوانكم فيمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رحاب مسجد نبيه عليه الصلاة والسلام، وفي مهاجره وفي عاصمة الإسلام الأولى، ومنطلق الدعوة إلى الله على يد رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى يد أصحابه الكرام، الغزاة الفاتحين، والأئمة المهتدين، وأتباعهم بإحسان رضي الله عن الجميع وأرضاهم، وأسأله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من أتباعهم بإحسان وأن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا، وأن يولي عليهم خيارهم ويمنحهم الفقه في الدين، وأن يسلك بنا وبهم صراطه المستقيم، إنه سميع قريب.أيها الإخوة، إن هذا المؤتمر بلا شك مؤتمر عظيم، قد دعت الحاجة بل الضرورة إلى عقده، وإن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لمشكورة كثيرا على تبني هذه الدعوة إلى هذا المؤتمر وقيامها بالإعداد له، ودعوتها نخبة ممتازة من أقطار الدنيا من العلماء والدعاة إلى الله عز وجل من أكثر من سبعين دولة، لحضوره، وتبادل الرأي في شئون الدعوة والدعاة، وتذليل الصعوبات والعقبات التي تعترض سبيلها، وللنظر في طرق ووسائل محاربة الدعوات الضالة والمذاهب الهدامة والأفكار المنحرفة، وكل ما يتعلق بشئون الدعوة وأحوال المسلمين.وإن حكومة هذه البلاد: الحكومة السعودية وفقها الله، تشكر كثيرا على موافقتها على إقامة هذا المؤتمر، وعلى دعمها له بكل ما يحتاج إليه، وعلى رعايتها له، كما هي بحمد الله تدعم كل ما يتعلق بالدعوات والقضايا الإسلامية، وجميع ما يتعلق بالإسلام، فلهابحمد الله جهود مشكورة، وأعمال جليلة في دعم قضايا المسلمين وإعانة مؤسساتهم ومدارسهم وجمعياتهم، والدعاة إلى الله عز وجل في كل مكان، فجزاها الله عن ذلك خيرا، وبارك في أعمالها وزادها من فضله، ونشر بها الدعوة الإسلامية في كل مكان، وأصلح لها البطانة، وكتب لها التوفيق من عنده، كما نسأله سبحانه أن يوفق قادة المسلمين في كل مكان وأن يهديهم صراطه المستقيم، وأن ينصر بهم الحق، ويخذل بهم الباطل، وأن يوفقهم للاستقامة على دينه، وإخلاص العبادة لله وحده، والقضاء على كل ما يخالف ذلك، كما نسأله عز وجل أن يوفق قادة المسلمين وعلماءهم في كل مكان وجميع الدعاة إلى الحق وجميع المسئولين في كل دولة إسلامية للتعاون الكامل على البر والتقوى، ونصر دين الله وإعلاء كلمته، وعلى بيان حقيقة التوحيد والعبادة التي خلق الله عز وجل من أجلها الخلق وأرسل الرسل، وعلى بيان حقيقة الشرك الذي هو أعظم الذنوب وأكبر الجرائم، وعلى القضاء عليه وبيان حقيقته للناس، وبيان وسائله وذرائعه والقضاء عليها بالوسائل التي شرعها الله عز وجل.كما أسأله سبحانه أن يوفقهم جميعا لمحاربة البدع التي انتشرت في العالم، حتى التبس على أكثر الخلق دينهم بسبب ظهور البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، وبسبب كثرة المروجين لها والداعين إليها باسم الإسلام، حتى التبس الحق بالباطل على الكثير من الناس، لقلة العلماء المتبصرين الذين يشرحون للناس حقيقة الدين ويوضحون لهم حقيقة ما بعث به الله نبيه محمداً عليهالصلاة والسلام، ويبينون لهم معاني كتاب ربهم وسنة نبيهم واضحة جلية كما تلقاها أصحاب رسول الله عن نبيهم.أيها الإخوة الكرام أعضاء المؤتمر:ليس من الخافي على كل من له أدنى علم أو بصيرة أن العالم الإسلامي اليوم بل العالم كله في أشد الحاجة إلى الدعوة الإسلامية الواضحة الجلية التي تشرح للناس حقيقة الإسلام وتوضح لهم أحكامه ومحاسنه، وتشرح لهم معنى (لا إله إلا الله) ومعنى شهادة (أن محمدا رسول الله) فإن أكثر الخلق لم يفهموا هاتين الشهادتين كما ينبغي، ولذلك دعوا مع الله غيره، وابتعدوا عنه، إن هاتين الشهادتين هما أصل الدين وأساس الملة وقاعدة الإسلام التي عليها مداره.أما الشهادة الأولى فهي تبين حقيقة التوحيد وحقيقة العبادة التي يجب إخلاصها لله وحده سبحانه وتعالى لأن معناها كما لا يخفى لا معبود بحق إلا الله، فهي تنفي العبادة عن غير الله وتثبت العبادة لله وحده، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، من الصلاة والزكاة والصوم والحج والذبح والنذر والدعاء والاستغاثة والسجود وغير ذلك، فهذه العبادات يجب أن تكون لله وحده، ويجب على العلماء أن يبينوا ذلك للناس، وأن صرفها لنبي أو ولي أو غيرهما من الخلق شرك بالله عز وجل، قال الله جل وعلا: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ}([5]) وقال سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَلِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}([6]) وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}([7]) والآيات في هذا المعنى كثيرة.وأما شهادة أن محمدا رسول الله فكثير من الناس لا يفهمها على حقيقتها، وحكموا القوانين الوضعية وأعرضوا عن شريعة الله، ولم يبالوا بها، جهلا بها أو تجاهلا لها. إن شهادة أن محمدا رسول الله تقتضي الإيمان برسول الله عليه الصلاة والسلام، وطاعته في أوامره واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره وأن لا يعبد الله إلا بالشريعة التي جاء بها عليه الصلاة والسلام، كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}([8]) وقال سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}([9]).فالواجب على جميع المسلمين، وعلى جميع الثقلين أن يعبدوا الله وحده، وأن يحكموا نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام كما قال سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}([10]).وقال عز وجل: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًالِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}([11]) وقال سبحانه: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}([12]) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}([13]) {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}([14]).أيها الإخوة الكرام أعضاء المؤتمر:إن الناس اليوم في أشد الحاجة إلى الدعوة، وإلى بيان الداعية الذي ينبغي أن يقوم بهذه الدعوة، وبيان أخلاقه وأعماله وصفاته، ولا ريب أن من الواجب على الداعية أن يستقيم في أقواله وأفعاله، وأن يكون قدوة صالحة للمدعوين في سيرته وأخلاقه وأعماله ومدخله ومخرجه وكل شئونه، إن العالم بحاجة إلى تيسير وسائل الدعوة وإيضاحها وتسهيل العقبات والصعوبات التي تقف في طريق الداعية.المسلمون اليوم في أشد الحاجة إلى الدعاة الصالحين، إلى العلماء المبرزين، إلى الذين يدعونهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ويوضحون لهم معاني كتاب الله وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ويبينون لهم سيرته عليه الصلاة والسلام وسيرة أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.المسلمون اليوم بل العالم كله في أشد الحاجة إلى بيان دين الله وإظهار محاسنه وبيان حقيقته، والله لو عرفه الناس اليوم ولو عرفه العالم على حقيقته لدخلوا فيه أفواجا اليوم كما دخلوا فيه أفواجاًبعدما فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام.أيها العلماء الكرام، أيها الفضلاء، إن واجبنا عظيم وإن واجب المسئولين في جميع العالم الإسلامي من علماء وأثرياء وأمراء وقادة عظيم جدا والمسئولية عظيمة. علينا أن نتقي الله في عباد الله، وعلينا أن نتعاون صادقين على البر والتقوى أينما كنا وأن تكون هناك علاقات قوية، واتصالات دائمة في شأن الدعوة والدعاة، وفي توجيه الناس إلى الخير، وبالتعاون على البر والتقوى، وأرجو أن يكون اجتماعكم هذا تعاونا على الخير، وتبادلا للرأي في كل ما من شأنه انتشار الدعوة الإسلامية، وتذليل العقبات والصعوبات أمام الداعية، وبيان حال الداعية وصفاته وأعماله وأخلاقه، وبيان ما ينبغي أن تواجه به الدعوات المضللة والمبادئ الهدامة والتيارات الجارفة، أرجو أن يكون في مؤتمركم هذا حل لهذه المشاكل وبيان لكل ما يحتاجه المسلمون في سائر الدنيا. إنكم والله مسئولون وإن الأمر عظيم، وإني لأرجو الله عز وجل لهذا المؤتمر المبارك أن ينجح في أعماله، وأن يوفق في قراراته وتوصياته، وأن يحسن العاقبة في حصول ما نرجوه من هذا المؤتمر وما نعلقه عليه من الآمال، وأرجو أن يكون في جهودكم وأعمالكم وتبادلكم الرأي ما يحل المشكلات وما ينفع الله به عبادة المؤمنين في كل مكان، وما يرحم الله به عباده حتى يعرفوا دين الله وحتى يدخلوا في دين الله بأسبابكم، وحتى يكون لكم مثل أجورهم، فقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لاينقص ذلك من أجورهم شيئا)) خرجهما مسلم في صحيحه.وأسأل الله عز وجل أن يهدينا جميعا صراطه المستقيم، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يكثر في المسلمين دعاة الهدى وأنصار الحق، وأن يهدي حكام المسلمين وقادتهم لما فيه رضاه، وصلاح أمر عباده، إنه سميع قريب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان. الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى([15])بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: فإن الدعوة إلى الله تعالى من أهم الواجبات الإسلامية، وهي سبيل الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة، وقد أمر الله بها في كتابه الكريم وأثنى على أهلها غاية الثناء فقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}([16]) وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}([17]) فانظر أيها القارئ الكريم، كيف أمر الله سبحانه في الآية الأولى بالدعوة إليه، وأوضح مراتب الدعوة حتى يكون الداعي في هذا السبيل العظيم على بصيرة وما ذاك إلا لأن المدعوين أصناف كثيرة وطبقات مختلفة.فمنهم الراغب في الخير ولكنه غافل قليل البصيرة فيحتاج إلى دعوته بحكمة: وهي تفهيمه الحق وإرشاده إليه وتنبيهه على ما فيه من المصلحة العاجلة والآجلة، فعند ذلك يقبل الدعوة وينتبه من غفلته وجهله ويبادر إلى الحق، ومنهم المعرض عن الحق المشتغل بغيره فمثل هذا يحتاج إلى الموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والتنبيه على ما في التمسك بالحق من المصالح العاجلة والآجلةوعلى ما في خلافه من الشقاء والفساد وسيئ العواقب ولعله بهذا يجيب إلى الحق ويترك ما هو عليه من الباطل. ولا ريب أن هذا المقام مقام عظيم يحتاج الداعي فيه إلى مزيد من الصبر والحلم والرفق بالمدعو تأسيا بإمام الدعاة وسيدهم وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الطبقة الثالثة من الناس من له شبهة قد حالت بينه وبين فهم الحق والانقياد له فهذا يحتاج إلى مناقشة وجدال بالتي هي أحسن حتى يفهم الحق وتنزاح عنه الشبهة. ومثل هذا يجب على الداعي أن يرفق به أكثر من الذين قبله وأن يصبر على مناقشة واقتلاع جذور الشبهة من قلبه، وذلك بإيضاح الأدلة الدالة على الحق وتنويعها وشرحها شرحا وافيا جليا على حسب لغة المدعو وعرفه، إذ ليس كل أحد يفهم اللغة العربية فهما جيدا، وإن كان من أهل العلم فإنه قد يدخل عليه من لغته وعادته وعادة قومه ما يلبس عليه المعنى الذي أراده الشارع فيحصل بذلك خطأ كبير وقول على الله ورسوله بغير علم.ولا يخفى على من له أدنى بصيرة ما يترتب على ذلك من الفساد الكبير في الدنيا والآخرة ومن هنا يعلم الداعي إلى الله تعالى أنه في حاجة شديدة إلى الفقه في الدين، والبصيرة بأحكام الشريعة، والمعرفة بلغة المدعوين وعرفهم، وذلك يوجب عليه التوسع في فهم الكتاب والسنة والعناية بمعرفة ما أراد الله ورسوله كله، والعناية أيضا بدراسة اللغة العربية وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم من حين بعثه الله إلى أن قبضه إليه دراسة وافية حتى يتمكن بذلك من إرشاد الأمة إلى ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أخلاق وأعمال، وعلى حسب اجتهاده وعمله وصبره يكون حظه من الثناءالحسن الذي أثنى الله به على الدعاة إليه في الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا}([18]) الآية.وهذه الآية الكريمة تفيد أن الدعاة إلى الله عز وجل هم أحسن الناس قولا إذا حققوا قولهم بالعمل الصالح، والتزموا الإسلام عن إيمان ومحبة وفرح بهذه النعمة العظيمة، وبذلك يتأثر الناس بدعوتهم وينتفعون بها ويحبونهم عليها، بخلاف الدعاة الذين يقولون ما لا يفعلون فإنهم لا حظ لهم من هذا الثناء العاطر، ولا أثر لدعوتهم في المجتمع وإنما نصيبهم في هذه الدعوة المقت من الله سبحانه والسب من الناس والإعراض عنهم والتنفير من دعوتهم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}([19]) وقال الله موبخا لليهود: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}([20]) فأرشد سبحانه في هذه الآية إلى أن مخالفة الداعي لما يقول أمر يخالف العقل كما أنه يخالف الشرع، فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل.اللهم اهدنا لما فيه رضاك واجعلنا من الذين يهدون بالحق وبه يعملون، إنك أكرم مسئول وخير مجيب. الدعوة إلى الله وأثرها في المجتمع([21])الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد: فلقد رفع الله شأن الدعاة إليه وأبلغ في الثناء عليهم، حيث يقول سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}([22]) ولا ريب أن هذا الثناء يحفز الهمم ويلهب الشعور ويخفف عبء الدعوة ويدعو إلى الانطلاق في سبيلها بكل نشاط وقوة. وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الحسن البصري رحمه الله أنه تلا هذه الآية الكريمة: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} الآية. فقال: هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحا في إجابته، وقال إنني من المسلمين. هذا خليفة الله. انتهى.ولا ريب أن الرسل عليهم الصلاة والسلام هم سادة الناس في الدعوة وهم أولى الناس بهذه الصفات الجليلة التي ذكرها الحسن رحمه الله وأولاهم بذلك وأحقهم به على التمام والكمال. إمامهم وسيدهم وأفضلهم وخاتمهم نبينا محمد بن عبد الله بنعبد المطلب صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة وصبر على الدعوة إلى ربه أتم صبر وأكمله، حتى أظهر الله به الدين وأتم به النعمة ودخل الناس بسبب دعوته في دين الله أفواجا. ثم سار أصحابه الكرام بعده على هذا السبيل العظيم والصراط المستقيم فصدقوا الدعوة ونشروا لواء الإسلام في غالب المعمورة، لكمال صدقهم وعظيم جهادهم وصبرهم على الدعوة والجهاد صبرا لا يعتريه ضعف أو فتور، وتحقيقهم الدعوة والجهاد بالعمل في جميع الأحوال، فضربوا بذلك للناس بعد الرسل أروع الأمثال وأصدقها في الدعوة والجهاد والعلم النافع والعمل الصالح، وبذلك انتصروا على أعدائهم وبلغوا مرادهم وحازوا قصب السبق في كل ميدان، وهم أولى الناس بعد الرسل بالثناء والصفات السالفة التي ذكرها الحسن، وكل من سار على سبيلهم وصبر على الدعوة إلى الله، وبذل فيها وسعه فله نصيبه من هذا الثناء الجزيل الذي دلت عليه الآية الكريمة والصفات الحميدة التي وصف بها الحسن الدعاة إلى الحق، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا)) خرجهما مسلم في صحيحه.وقال لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)) متفق على صحته.وفي هذه الأحاديث وما جاء في معناها تنبيه للدعاة إلى الله والمجاهدين في سبيله على أن المقصود من الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه هو هداية البشر وإخراجهم من الظلماتإلى النور وانتشالهم من وهدة الشرك وعبادة الخلق إلى عز الإيمان ورفعة الإسلام وعبادة الإله الحق الواحد الأحد الذي لا تصلح العبادة لغيره ولا يستحقها سواه سبحانه وتعالى، وليس المقصود من الدعوة والجهاد هو سفك الدماء وأخذ المال واسترقاق النساء والذرية وإنما يجيء ذلك بالعرض لا بالقصد الأول، وذلك عند امتناع الكفار من قبول الحق وإصرارهم على الكفر وعدم إذعانهم للصغار وبذل الجزية حيث قبلت منهم فعند ذلك شرع الله للمسلمين قتالهم واغتنام أموالهم واسترقاق نسائهم وذرياتهم، ليستعينوا بهم على طاعة الله ويعلموهم شرع الله، وينقذوهم من موجبات العذاب والشقاء ويريحوا أهل الإسلام من كيد المقاتلة وعدوانهم ووقوفهم حجر عثرة في طريق انتشار الإسلام ووصوله إلى القلوب والشعوب، ولا ريب أن هذا من أعظم محاسن الإسلام التي يشهد له بها أهل الإنصاف والبصيرة من أبنائه وأعدائه، وذلك من رحمة الله الحكيم العليم الذي جعل هذا الدين الإسلامي دين رحمة وإحسان وعدل ومساواة يصلح لكل زمان ومكان ويفوق كل قانون ونظام، ولو جمعت عقول البشر كلهم وتعاضدوا على أن يأتوا بمثله أو أحسن منه لم يستطيعوا إلى ذلك من سبيل، فسبحان الذي شرعه ما أحكمه وأعدله، وما أعلمه بمصالح عباده، وما أبعد تعاليمه من السفه والعبث وما أقربها من العقول الصحيحة والفطر السليمة.فيا أيها الأخ المسلم، ويا أيها العاقل الراغب في الحق تدبر كتاب ربك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وادرس ما دل عليه من التعاليمالقويمة والأحكام الرشيدة والأخلاق الفاضلة تجد ما يشفي قلبك ويروي غلتك ويشرح صدرك ويهديك إلى سواء السبيل. ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، ويفقههم في الدين، وينصر بهم الحق، وأن يوفق ولاة أمرهم لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد، وأن يعينهم على القيام بالدعوة إليه على بصيرة إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.ما هكذا الدعوة إلى إصلاح الأوضاع يا حمد([23])الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:فقد اطلعت على ما نشر في جريدة السياسة بعددها 668 في 19/8/1404هـ لكاتبه حمد السعيدان، وقد نسب إلي هداه الله كلاما عن حلق اللحية تجرأ فيه بشيء لم أقله، ومما ذكر أني قلت: أي فتوى تصدر باسمي يجب أن تكون ممهورة بخاتمي ومصدقة من وزارة الأوقاف الإسلامية. وهذا الكلام ظاهر البطلان لأني لم أشترط يوما ما تصديق وزارة الأوقاف الإسلامية على ما يصدر مني من الفتاوى. ثم استرسل في الكلام عن حلق اللحية وغيرها وزعم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى))([24]) يقتضي بهذا العصر أن نحلق اللحى لأن المجوس واليهود والسيخ وغيرهم يطلقون اللحى، وقال: (وعليه يجب مخالفة هذه الفئات نحلق لحانا). وقد قام رجال الأزهر بتطبيق هذا الحديث وهو مخالفةالمشركين وغيرهم وحلقوا لحاهم) إلى آخر ما قال. ولا شك أن هذا جرأة. من الكاتب وسوء أدب منه مع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيانه صلى الله عليه وسلم واضح وأمره واجب الامتثال والتنفيذ ويخشى على مخالفه من العاقبة السيئة، كما قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}([25]) وأمره صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية واضح، وتنفيذه واجب إلى قيام الساعة سواء وفر الكفار لحاهم أم حلقوها، وموافقتهم لنا في شيء من شرعنا كإعفاء اللحية لا يقتضي أن نخالف شرعنا، كما أن دخولهم في الإسلام أمر واجب عليهم ومحبوب لنا ونحن مأمورون بدعوتهم إلى ذلك ولا يقتضي ذلك خروجنا من الإسلام إذا دخلوا فيه حتى نخالفهم، بل علينا أن ندعوهم إلى دين الله وألا نتشبه بهم فيما خالفوا فيه شرع الله، وهذا أمر معلوم عند جميع أهل العلم.وهذه الجرأة من الكاتب في حمل الحديث الشريف على وجوب حلقها؛ لأن بعض المشركين تركوا حلقها جرأة شنيعة في نشر الباطل والدعوة إليه، ثم هي مخالفة للواقع فليس كل الكفار قد وفروا لحاهم بل فيهم من يعفيها وفيهم من يحلقها. ولو فرضنا أنهم كلهم أعفوها لم يجز لنا أن نخالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فنحلقها لمخالفتهم، وهذا لا يقوله من له أدنى علم وبصيرة بشرع الله عز وجل، ويلزم عليه لوازم باطلة ومنكرات كثيرة.وأما ما ذكره عن شيوخ الأزهر من كونهم حلقوا لحاهم لما رأوا بعض الكفار قد أعفاها فهذا لو سلمنا صحته لا حجة فيه، فإن مخالفة بعض المسلمين لما شرعه الله |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز الأحد أغسطس 14, 2011 1:50 am | |
| لا يحتج بها على ترك الشرع المطهر، بل الواجب الإنكار على من خالف الشرع والتحذير من الاقتداء به، لا أن يحتج بعمله على مخالفة الشرع. وكثير من العلماء قد خالفوا الشرع المطهر في مسائل كثيرة إما لجهل بالدليل، وإما لأسباب أخرى، ولا يجوز أن يكونوا حجة في جواز مخالفة ما علم من الشرع لكونهم لم يأخذوا به، بل غاية ما هناك أن يعتذر عنهم بأن الشرع لم يبلغهم أو بلغهم من وجه لم يثبت لديهم أو لأعذار أخرى، كما بسط ذلك الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الجليل: (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وقد أجاد فيه وأفاد وأوضح أعذار أهل العلم فيما خالفوا من الشرع فليراجع فإنه مفيد جدا لطالب الحق.وإني أنصح الكاتب (حمد) بأن يتقي الله ويحذر لمز الملتحين وسوء الظن بهم، كما أنصحه بأن يحسن الظن بجميع إخوانه المسلمين الذين يحرصون على تطبيق الشريعة ويتتبعون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويتأسون به في أقواله وأعماله، وأن يحملهم على أحسن المحامل عملا بقول الله عز وجل في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}([1]) ومعنى قوله: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} أي: لا يلمز بعضكم بعضا، واللمز: العيب، ثم قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}([2]) الآية، فأمر سبحانه باجتناب كثير من الظن وأخبر أن بعضه إثم وهو الظن الذي لا دليل عليه ولا أمارة شرعية ترشد إليه.ولهذا ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) وهذا كله لا يمنع من نصيحة من أخطأ من أهل العلم أو الدعاة إلى الله في شيء، من عمله أو دعوته أو سيرته، بل يجب أن يوجه إلى الخير ويرشد إلى الحق بأسلوب حسن، لا باللمز وسوء الظن والأسلوب العنيف، فإن ذلك ينفر من الحق أكثر مما يدعو إليه، ولهذا قال عز وجل لرسوليه موسى وهارون لما بعثهما إلى أكفر الخلق في زمانه: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}([3]) وأخبر الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم بما جبله عليه من الرفق والحكمة واللين واللطف في الدعوة فقال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}([4]) الآية وأمره سبحانه أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فقال عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}([5]) وهذا الأمر ليس خاصا به صلى الله عليه وسلم بل هو موجه إليه وإلى جميع علماء الأمة وإلى كل داع يدعو إلى حق، لأن أوامر الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم لا تخصه بل تعم الأمة جميعا، إلا ما قام الدليل على أنه خاص به، ولقول الله سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}([6]) الآية ولقوله عز وجل: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([7]) وقوله سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([8]) وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من يحرم الرفق يحرم الخير كله)).وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: ((إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)) في أحاديث كثيرة تدل على أن الواجب على الدعاة إلى الله سبحانه والناصحين لعباده أن يتخيروا الأساليب المفيدة والعبارات التي ليس فيها عنف ولا تنفير من الحق، والتي يرجى من ورائها انصياع من خالف الحق إلى قبوله والرضى به وإيثاره والرجوع عما هو عليه من الباطل، وأن لا يسلك في دعوته المسالك التي تنفر من الحق ويدعو إلى رده وعدم قبوله.وأسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه، والثبات عليه، والدعوة إليه على بصيرة، وأن يعيذنا وسائر المسلمين من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ومن القول عليه سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.ما هكذا الدعوة إلى الله يا صالح([9])الحمد لله، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.أما بعد: فقد اطلعت على ما كتبه الشيخ صالح محمد جمال بجريدة الندوة في عدد الاثنين 2/4/1405هـ تحت عنوان (خطب الجمعة وحوادث الساعة). وقد ساءني ما تضمنه من اعتراض الكاتب على خطيب المسجد الحرام، وما قاله الكاتب عن المولد النبوي. وما قاله في المآدب التي يقيمها أهل الميت في اليوم الثالث من الوفاة.فالكاتب هداه الله إلى الصواب خاض في هذه الأمور بغير علم، واعترض على الخطيب واعتبر حديثه كلاما مملا وهذا اعتراض بالباطل. لأن ما قاله الخطيب حق وفي محله، وليس كلاما مملا بل هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. وقد لعن بني إسرائيل لتخاذلهم في الأمر بالمعروف وتركهم المنكر يظهر بين قومهم فلا يغيرونه، فقال عز وجل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}([10]).ولا يرضى مسلم صحيح العقيدة سليم الإيمان بربه أن يتصف بعمل كفار بني إسرائيل في عدم إنكار المنكر والتساهل به وعدم التحذير منه، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه))([11]).أما ما يتعلق بالاحتفال بالمولد النبوي فقد قامت الأدلة الشرعية على أنه لا يجوز الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيره، لأن ذلك من البدع المحدثة، لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا أحد من خلفائه الراشدين أو أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ولم يفعله أيضا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحرص على متابعة شرعه ممن بعدهم. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))([12]) أي: مردود عليه. وقال في حديث أخر: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))([13]).ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها، وقد قال سبحانه في كتابه المبين: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}([14]) وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}([15]) وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([16]) وذم سبحانه من شرع في دين الله ما لم يأذن به فقال: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}([17]).والآيات في هذا المعنى كثيرة، وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الأمة ما ينبغي أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن الله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة، ورسوله صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين.فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة أو فعله في حياته أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء. بل هو من المحدثات التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته كما تقدم ذلك في الحديثين السابقين، وقد جاء في معناهما أحاديث أخرى مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: ((أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) رواه الإمام مسلم في صحيحه.وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها كشيخ الإسلام ابن تيمية، والشاطبي، وآخرين عملا بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاختلاط النساء بالرجال واستعمال آلات الملاهي وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة، والقاعدة الشرعية رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد رددنا هذه المسألة -وهي الاحتفال بالمولد- إلى كتاب الله سبحانه فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا أن نشرع في دينه ما لم يأذن به، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه.وقد رددنا ذلك أيضا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبه باليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات التي أمرنا الله ورسوله بتركها والحذر منها. ولا ينبغي لعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية. قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}([18]) والخطيب في المسجد الحرام وفقه الله قد أحسن في إنكاره بدعة المولد ونصح لله ولعباده بأسلوب حسن وأدلة واضحة على أعظم منبر إسلامي حتى تعم الفائدة وتقوم الحجة على من لم تبلغه. فالاعتراض عليه غلط محض واعتراض في غير محله وجرأة على الله وعلى دينه بغير علم ولا هدى، ومخالفة لما تقدم من الأدلة الشرعية، وليس في البدع شيء حسن بل كلها ضلالة كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.أما الولائم التي تقام للعزاء بعد الموت فلاشك أنها من أمر الجاهلية، ومن النياحة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن جهل الكاتب هداه الله ذلك، وإنما السنة عند الموت أن يصنع طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إعانة لهم وجبرا لقلوبهم، فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم، لما روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة بسند صحيح عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله: ((اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم ما يشغلهم)) فهذا هو السنة.وأما صنع الطعام من أهل الميت للناس سواء كان ذلك من مال الورثة أو من ثلث الميت أو من شخص آخر فهذا لا يجوز. لأنه خلاف السنة ومن عمل الجاهلية كما تقدم، ولأن في ذلك زيادة تعب لهم على مصيبتهم وشغلا إلى شغلهم. وقد روى أحمد وابن ماجة بإسناد جيد عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أنه قال: (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة) ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم ولا عن السلف الصالح إقامة حفل للميت مطلقا لا عند وفاته ولا بعد أسبوع ولا بعد أربعين يوما ولا بعد سنة من وفاته، بل ذلك بدعة يجب تركها وإنكارها والتوبة إلى الله منها لما فيها من الابتداع في الدين ومشابهة أهل الجاهلية.وقد قال الإمام العلامة أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه المغني ما نصه: (مسألة: قال ولا بأس أن يصلح لأهل الميت طعاما يبعث به إليهم ولا يصلحون هم طعاما يطعمون الناس. وجملة ذلك أنه يستحب إصلاح طعام لأهل الميت يبعث به إليهم إعانة لهم وجبرا لقلوبهم فإنهم ربما اشتغلوا بمصيبتهم وبمن يأتي إليهم عن إصلاح طعام لأنفسهم.وقد روى أبو داود في سننه بإسناده عن عبد الله بن جعفر قال: لما جاء نعي جعفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم)) وروي عن عبد الله بن أبي بكر أنه قال: (فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها فأما صنع أهل الميت طعاما للناس فمكروه؛ لأن فيه زيادة على مصيبتهم وشغلا لهم إلى شغلهم وتشبها بصنع أهل الجاهلية. ويروى أن جريرا وفد على عمر فقال: (هل يناح على ميتكم؟ قال: لا قال: وهل يجتمعون عند أهل الميت ويجعلون الطعام؟ قال نعم قال ذاك النَوح) انتهى المقصود.وأما قول الكاتب هداه الله وهل كل ما لم يفعله الرسول وأصحابه حرام أم العكس هو الصحيح، أي: أن الأصل في كل الأعمال هو الحل إلا ما ورد نص بالتحريم. فهذا الكلام فيه إجمال وإفراط وليس على إطلاقه، والصواب أن يقال: إنما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالعبادات لا يجوز لأحد إحداثه ولا تشريعه للناس. لأن العبادات توقيفية لا يشرع منها إلا ما شرعه الله ورسوله، فمن أحدث شيئا من العبادات فقد شرع في الدين ما لم يأذن به الله، ويعتبر بذلك مبتدعا مخالفا للشرع المطهر يجب رد بدعته عليه للأدلة السابقة، ومن ذلك الاحتفال بالموالد كما تقدم، وهكذا ما كان من أمر الجاهلية لا يجوز لأحد إحداثه ولا إقراره كإقامة المآتم بعد الموت، لأن أمر الجاهلية كله مرفوض ومنهي عنه إلا ما أقره الشرع المطهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ((إن أمر الجاهلية كله موضوع)).وقوله لأبي ذر لما عير رجلا بأمه: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين لنساء النبي صلى الله عليه وسلم {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}([19]) الآية.أما الأمور الأخرى التي لا تعلق لها بالعبادات ولا بأمر الجاهلية فالأصل فيها الحل إلا ما حرمه الشرع كأنواع المآكل والمشارب والصناعات ونحو ذلك؛ لأن الناس أعلم بأمور دنياهم. ويستثنى من ذلك ما حرمه الله ورسوله كلبس الذهب والحرير للذكور، وكتشبه الرجال بالنساء ونحو ذلك مما نص الشرع على النهي عنه فهو مستثنى من هذه القاعدة. ولما أوجب الله من النصح له سبحانه ولعباده، ولما يجب من التنبيه على الأخطاء التي وقع فيها الكاتب وأعلنها، رأيت التنبيه على ذلك، وأسأل الله أن يوفقنا والكاتب وسائر المسلمين لما يرضيه من القول والعمل، وأن يمن على الجميع بالتوبة النصوح، وأن يرزقنا جميعا التمسك بكتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم والحذر مما يخالفهما إنه ولي ذلك والقادر عليه.وصلى الله وسلم على نبينا وإمامنا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. الحركات الإسلامية ودور الشباب فيها([20])الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام الأولين والآخرين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:فإن الله سبحانه وتعالى، قد جعل شريعة محمد صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الشرائع الإسلامية، ورضي الإسلام دينا لخير أمة أخرجت للناس، كما بعث الرسل بدين الإسلام وجعله المرضي له، دون غيره من الأديان، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ}([21]) وقال سبحانه وبحمده: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا}([22]) وقال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([23]).فالكمال الذي من الله به في الشريعة الإسلامية التي بعث الله بها محمدا صلى الله عليه وسلم موجود في أوامرها ونواهيها وسائر أحكامها، من تحقيق لكل ما تحتاجه النفوس وتتطلبه المجتمعات مهما جد في حياتها من مؤثرات أو ظهر من اختراعات.وذلك أن بعض ديانات الأرض اليوم المخالفة للإسلام لا يجد المتمعن في معتقداتها ما يتلاءم فكرا وعملا مع متطلبات ومظاهر حياة هذا العصر، ولا ما يريح النفوس من المؤثرات المحيطة، فنشأ لديهم رغبة بفصل الدين عن الدولة في مثل قولهم: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله.لكن الموضوع في الإسلام يختلف؛ لأن النفوس عندما تشعر بالأزمات تنتابها، وبالمشكلات تحل قريبا منها، تجد في دين الإسلام وتشريعاته الراحة والمخرج. وكلما بعدت عن دين الإسلام وضعف وازع الإيمان فيها كثرت الهموم في النفوس وتعددت المشكلات في المجتمع. وهذا ما يسمونه في العصر الحاضر: القلق النفسي. ولا شيء يطمئن القلوب، ويريح النفوس إلا الرجوع إلى الله وامتثال شرعه والتحلي بالصفات التي دعا إليها دين الإسلام.فالقرآن الكريم هو كتاب الله المبين، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يتطرق إليه الشك؛ لأنه منزل من حكيم حميد لا تخفى عليه خافية وهو العالم بمصالح العباد في العاجل والآجل، وكتابه الكريم هو المصدر الأول لعقيدة الإسلام وأحكامه، وهو الذي يعطي المؤمنين علاجا لقلوبهم، وإراحة لضمائرهم، بذكر الله، وتعويد اللسان على هذا العمل، {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}([24]).وفي عصرنا الحاضر، مع تداخل الشعوب، واحتكاك الأمم، وكثرة المؤثرات والمخترعات وتباين الثقافات واختلاطها بتطور وسائل الإعلام، وسرعة توصيلها للمعلومات من مكان لآخر، وتقارب البلاد من أطراف الأرض بعضها من بعض، بحيث أصبحت هموم بعضهم تؤرق البعض الآخر، نراهم يجربون حلولا مختلفة، من شعارات ومبادئ لتريح نفوسهم، وتخفف من آلامهم وتحل بعضا من مشكلاتهم.لكنها لم تجد شيئا ولم تخفف عما داخل نفوسهم، وخلخل مجتمعاتهم؛ لأنها لم تكن من عند الله الحليم العليم، ولا صادرة عن شرعه الذي شرع لعباده، وصدق الله إذ يقول موضحا مكانة القرآن الذي حفظه عن العبث والتغيير، ونزهه عن الخلافات والمتناقضات: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا}([25]) وقال سبحانه: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}([26]) وقال عز وجل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}([27]).ونتيجة لتلك القلاقل التي نشأت في المجتمعات في كل مكان، ونشأ عنها تصرفات عجيبة من الشباب وغيرهم في الغرب والشرق، بعضها يضحك الثكلى، وشر البلية ما يضحك، اهتم الباحثون من رجال تلك الديار، لمعرفة الأسباب والمؤثرات، ومحاولة فرض الحلول المعينة على إزالة تلك الهواجس والآلام فتهاووا في طرق متشعبة، وظلوا في حيرتهم يعمهون، وارتدت دراساتهم وحلولهم عليهم خاوية الوفاض، مزجاة البضاعة. ووجدوا أن الصامدين براحة نفس، وهدوء بال أمام هذه العواصف هم المسلمون الملتزمون بدينهم، المحافظون على شعائر ربهم، فحاولوا طمس هذه الحقيقة التي لا تتفق مع منهجهم ونظرتهم نحو عقيدة الإسلام، منذ أزمان بعيدة. وصاروا يوهمون أبناء المسلمين، بأن في دينهم عيوبا، وعجزا عن مواكبة الحياة الحاضرة، وفي الحقيقة ما هذا الذي يتحدثون عنه إلا عيوب في معتقداتهم وأفكارهم، ألصقوها بالإسلام، بعد أن عجزوا عن إيجاد حلول لها.أما أبناء المسلمين ممن أنار الله بصائرهم، فإنهم قد ارتاحت نفوسهم بالعودة لتعاليم الإسلام، وأخذ أوامره علاجا لكل جديد وفد على مجتمعاتهم، آخذين من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة في المنهج، ومعلما يسترشد بقوله وفعله في كل موقف، فهو يفزع إلى الصلاة كلما حزبه أمر، ويقول لبلال رضي الله عنه: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) ويقول: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة)) وهذا تحقيق لقول الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}([28]) الآية.وما هذه الحركات الإسلامية التي تنبع من الشباب في كل بلد إسلامي إلا عودة جديدة لدين الإسلام الذي تريح أوامره وشرائعه النفوس، وتتجاوب مع متطلبات المجتمعات في كل عصر ومكان.والشباب في أي أمة من الأمم، هم العمود الفقري الذي يشكل عنصر الحركة والحيوية إذ لديهم الطاقة المنتجة، والعطاء المتجدد، ولم تنهض أمة من الأمم غالبا إلا على أكتاف شبابها الواعي وحماسته المتجددة.إلا أن اندفاع الشباب لابد أن تسايره حكمة من الشيوخ، ونظرة من تجاربهم وأفكارهم ولا يستغني أحد الطرفين عن الآخر. وإن أمة الإسلام، وهي أمة الرسالة الباقية، وذات الصدارة بين الأمم عندما أكرمها الله بهذا الدين، وببعثة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، كان للشباب فيها مكان بارز في ركب الدعوة المباركة، كما كان للشيوخ مكان الصدارة في التوجيه والمؤازرة. وانطلق الجميع بقيادة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، يؤسسون دولة الإسلام الأولى والتي امتدت إلى آفاق بعيدة، ورفرفت راية الإسلام عالية فوق غالب المعمورة، في عصور الإسلام المختلفة التي كان الشباب في الطليعة يذودون عن حياض الإسلام، ويدافعون عن ديار المسلمين، باليد واللسان، علما وعملا. ففي الوقت الذي كانوا يتقدمون فيه صفوف الجهاد لإعلاء كلمة الله كانوا أيضا يتزاحمون بالمناكب في حلقات العلماء وجلسات الشيوخ، يلتقطون الحكمة من أفواههم، ويستنيرون بما عندهم من علوم، ويتلقون منهم النصح والإرشاد، ويستفيدون من ثمرة جهودهم وتجربتهم لمناهج الحياة المقرونة بالتطبيق العملي للإسلام وشرائعه.وكان من الشباب القادة لألوية الجهاد، والمندفعون لتبليغ دين الله، والذين سارت الجيوش الإسلامية تحت ألويتهم، وحقق الله النصر المؤزر على أيديهم. وتاريخنا الإسلامي حافل بالشباب المجاهد العامل والشيوخ المجربين المجاهدين رحمهم الله.ولقد استمر الشباب المسلم في عطاء الخير المتجدد في الحروب الصليبية في الشام والأندلس وغيرها من المواقف التي يتصادم فيها الحق بالباطل حتى اليوم، فغاظت تلك الحماسة أعداء الإسلام، حيث سعوا إلى وضع العراقيل في طريقهم، أو تغيير اتجاههم، إما بفصلهم عن دينهم أو إيجاد هوة سحيقة بينهم وبين أولي العلم، والرأي الصائب في أمتهم، أو بإلصاق الألقاب المنفرة منهم، أو وصفهم بصفات ونعوت غير صحيحة، وتشويه سمعة من أنار الله بصائرهم في مجتمعاتهم، أو بتأليب بعض الحكومات عليهم.كل هذا قد يؤدي بالتالي إلى ظهور حركات تتسم بطابع الوقوف من المجتمع والقيادات، موقفاً قاسياً ومضاداً، قد يصل إلى نوع من المواجهة في بعض الأحيان، أو العمل السري الذي قد يخالطه ما يشينه، أو يغير من مجراه الطبيعي. وإلى جانب هذا يرى في العالم بأسره حركات إسلامية، قد ظهرت على السطح، وبعضها في أمريكا وأوروبا، تتفهم الإسلام، وتدعو إليه، وترى فيه العلاج لما في العالم من قلق ومشكلات أهمها جنوح الشباب، والمؤثرات فيهم.هذه الحركات كان للشباب فيها دور كبير، وأفعال مؤثرة، تدعو للتبصير والمؤازرة، إلا أن بعضها وخاصة في بعض الدول الإسلامية قد تعرض للكبت والمضايقة والاضطهاد والملاحقة. وبعضها استمر في أداء الدور الذي تنادي به تعاليم الإسلام في سبيل الدعوة والاهتمام بتبصير المسلمين عما جد في حياتهم، ولا يسير وفق منهج الإسلام.وقد كان لهذا النوع، وما زال أثر طيب بحمد الله في إصلاح أوساط الشباب، وإقامة كثير من المجتمعات على جادة الحق والهدى، في داخل العالم الإسلامي وخارجه عن طريق الكتاب الإسلامي والمنبر، والمحاضرات، والمخيمات والمعسكرات الإسلامية التي يلتقي المسلمون فيها من عدة أقطار، فيتذكرون علوم دينهم، ومشكلات مجتمعهم، ويتفهمون الواقع من حولهم ويعملون بقول الله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}([29]).ثم يحرصون على تنظيم أوقات الفراغ في العمل المثمر وقد استغل الغربيون والشرقيون هذا الفراغ في أعمال مختلفة، فلم تحقق النتيجة المرغوبة لامتصاص طاقة الشباب، وتوجيههم.إن دور الشباب المسلم الذي يسير وفق تعاليم الإسلام، دور عظيم في إصلاح النفوس وتوجيه المجتمع والمحافظة على سلامته وأمنه، لا ينكره إلا أعداء الإسلام، الذين يدركون مكانة الإسلام، وسموه في استجلاب من يرغب، منصفا في طريق العدالة، والأخلاق الكريمة والاستقامة والتوازن في البيئة، والأمن والاستقرار في المجتمع.وإن من أهم ما يجب ملاحظته، ونحن نتحدث عن دور الشباب في الحركات الإسلامية قديما وحديثا ما يلي: |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| موضوع: رد: كتاب فتاوى ومقالات لبن باز الأحد أغسطس 14, 2011 1:51 am | |
| 1- العناية بالشباب منذ نعومة أظفارهم، وذلك بتوجيههم الوجهة الإسلامية، والاهتمام بمناهجهم التعليمية، وإبعاد المؤثرات الضارة بأخلاقهم، والعمل على ربطهم بدينهم وبكتاب ربهم، وسنة نبيهم، وأن يعنى العلماء ورجال الفكر الإسلامي باحتضانهم وتقبل آرائهم واستفساراتهم، وإرشادهم إلى طريق الحق والصواب، بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن لاستعدادهم لتقبل التوجيه، من منطلق الرأي الصائب، الذي يحدده الإسلام، ويحث عليه.2- الحرص على إيجاد القدوة الحسنة في المدرسة والبيت، والنادي والشارع وفي أسلوب التعامل، وعدم وجود المظاهر المنافية للإسلام، والتي قد تحدث لديهم شيئا من الشك والريبة أو التردد في القبول، أو اعتزال المجتمع، والشكوك فيه، بدعوى أنه مجتمع غير مطبق للإسلام يقول أبناؤه بخلاف ما يعملون.وبهذا كله يحصل الانفصال، وتحدث التصرفات المتسرعة غير المنضبطة، والتي تكون نتائجها غير سليمة على الفرد والمجتمع، وعلى العمل الإسلامي. ولا تعود بالفائدة المرجوة على الشباب أنفسهم.3- عقد لقاءات مستمرة مع الشباب، يلتقي فيها ولاة الأمر والعلماء والمسئولون في البلاد الإسلامية بالشباب تطرح فيها الآراء والأفكار، وتدرس المشكلات دراسة متأنية وتعالج فيها القضايا والمسائل التي تحتاج إلى جواب فاصل فيما عرض، حتى لا تتسرب الظنون الخاطئة وتتباعد الأفكار، وينحرف العمل الإسلامي الذييتحمس له هؤلاء الشباب، لغير الدرب الحقيقي، والمنطلق الذي رسمته تعاليمه. وتتم هذه اللقاءات في جو من الانفتاح لإبداء الرأي المتسم بالأخوة والمحبة والثقة المتبادلة بعيدا عن التعصب للرأي، أو التسفيه للآراء، أو تجهيل الآخرين.إن الشباب بتوجيههم ورعايتهم، مثل النبتة إذا أحسن الزارع رعايتها نمت وأثمرت، وإذا أهملت تعثر نموها وفقد الثمر منها مستقبلا. والشباب فيه طاقة حيوية، يحسن الاستفادة منها وتنميتها، وأسلم منهج في الحياة يربط الشباب بدينه وعلمائه وأمته وبلاده، هو منهج الإسلام. فكلما ابتعد الشباب عن منهج دينهم الواضح، وسلكوا طريق الغلو أو الجفاء، أو التشدد والانعزال فإن النتائج ستكون وخيمة ولا حول ولا قوة إلا بالله.وإن مسؤولية ولاة الأمور: من قادة وعلماء ومفكرين، مسئولية عظيمة، في الأخذ بأيديهم ورعايتهم وتوجيههم نحو منهج الإسلام، وتوضيحه لهم، ليأخذوه، منهجا وسلوكا، وليسيروا وفق تعاليم شريعته، قدوة وتطبيقا.وهذا من أوجب الأمور وأكمل العلاج، وهو من باب النصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم الذي به يكتمل الإيمان، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.كما أن ترك الشباب عرضة للأفكار الهدامة، والتصورات الخاطئة وعدم الأخذ بيده، وتفهم آرائه وأفكاره، والإجابة عن كل تساؤلاته، وإيضاح الرأي الصحيح أمامه قد يفضي إلى ما لا تحمدعقباه. فالواجب الأخذ بيده ليتجنب كل ما يضر ويسلك ما ينفع، كما فعل سلفنا الصالح رضوان الله عليهم وفي عصور التاريخ المختلفة حيث لم يحدث ردود فعل ذات خطر على الفرد والجماعة. فليتعاون ولاة الأمور كبارا وصغارا، علماء ومتعلمين، مفكرين ومسؤولين، مع الشباب في البيوت والمدارس، وفي المجتمعات والجامعات، كل هؤلاء يتعاونون على إرشاد الشباب وتوجيهه، وتهيئة الأجواء السليمة له ليبدع فيها، في ظل العقيدة الإسلامية السمحة منهج الإسلام الحكيم.والله نسأل أن يوفق أمة الإسلام شيبا وشبابا، قادة وشعوبا، إلى العمل بما يرضي الله توجيهاً وتبصيراً وعملاً واقتداءً، وأن يصلح القلوب والأعمال، وأن يهدي الجميع صراطه المستقيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.الأقليات الإسلامية .. ظروفها وآمالها([1]) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:فإن الله جلت قدرته قد بعث الأنبياء والمرسلين للدعوة إلى توحيده، وإخلاص العبادة له سبحانه، وإيضاح شرعه الذي شرع لعباده، وخلق الثقلين لذلك، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}([2]) وقال عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}([3]).وأخبر سبحانه وبحمده أنه لا يعذب قوما إلا بعد إرسال البشير والنذير، قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}([4]) وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}([5]).ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله على فترة من الرسل، جاء بعدأن ملئت الأرض جورا وظلما، وبعد أن تغلبت معصية الله في أرضه على طاعته، فأرسله الله للعالمين الإنس والجن، وللعجم والعرب، بشيرا ونذيرا ومبلغا لشرع الله، فوضح الحق، ودعا إليه، وأرسل الرسل وبعث الكتب للرؤساء والعظماء، بالدعوة لما جاء به، لتقوم الحجة على من عاند وخالف، قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}([6]).وقد جعل الله شريعته خاتمة الشرائع، ورسالته خاتمة الرسالات. لأن فيها الكمال والشمول لما يصلح الناس في معاشهم ومعادهم، ولم يترك صلى الله عليه وسلم خيرا إلا دعا الناس إليه، أو شرا إلا حذرهم منه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم)) خرجه مسلم في صحيحه. وقال صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا أبدا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي)).ففي كتاب الله الأمر بالدعوة إلى دين الله، دين الحق الذي لا يقبل سبحانه من البشر سواه قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}([7]) الآية، وقالتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ}([8]) وقال سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}([9]) وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحث على الدعوة، والتوضيح لما يجب أن يؤديه المسلم نحو دين الله، وذلك بتوضيحه لسائر البشر، فهو أمانة ملقاة على عواتق أهل العلم ولا تبرأ ذممهم بذلك، نحو إخوانهم المسلمين وغيرهم بالتوضيح والنصح، قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه)) رواه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) متفق عليه.وقال صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) أخرجه مسلم في صحيحه، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه لما بعثه إلى اليهود في خيبر ليدعوهم إلى الإسلام ويبين لهم حق الله عليهم: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)).فالمسلمون في أي مكان وزمان واجب عليهم التناصح فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، ودعوة غيرهم إلى الإسلام، قال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}([10]) وقال تعالى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}([11]) وقال عليه الصلاة والسلام: ((الدين النصيحة،الدين النصيحة الدين النصيحة)) قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) متفق عليه.فالواجب على المسلم الامتثال لأوامره وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والنصح لله ولعباده. لأن في ذلك السعادة كلها في الدنيا والآخرة، والعزة للمسلمين لا تكون إلا بذلك، حيث يعلي سبحانه كلمتهم وينصرهم على أعدائهم مهما كثروا وتعاونوا، كما قال سبحانه: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}([12]) وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}([13]) ولقد سمعنا وقرأنا الأخبار عن كثير من إخواننا المسلمين في المجتمعات التي أكثر أهلها من غير المسلمين، وما يحصل عليهم من التسلط والتضييق في إقامة شعائر دينهم لإبعادهم عنه، إما بالإكراه أو بطرق أخرى، فنسأل الله لهم ولجميع المسلمين الثبات على الإسلام، والعافية من مكايد الأعداء.ولا شك أنهم على ثغرة مهمة من ثغور الإسلام، ويحتاجون والحالة هذه إلى كل مساعدة وعون سواء من الناحية السياسية، وهذا خاص بالحكومات الإسلامية من العرب وغيرهم التي لديها غيرة على الإسلام، ولها علاقات مع تلك الدول، بإرسال المندوبين وبعث الرسائل والتأكيد على ممثلياتها، وما إلى ذلك من الوسائل والأساليب التي تعين إخوانهم في تلك الأقليات، وترفع معنوياتهم، وتشعر من يتسلط عليهم بأن لهم أخوة في العقيدة يهتمون بأمرهم ويتابعون أخبارهم ويغارون لهم. وسوف يرتفعالضيم والظلم عن المسلمين - إن شاء الله - عندما تشعر تلك الدول وغيرها أن وراء هذه القلة المسلمة دولا تتألم لآلامهم، وتهتم بشئونهم، فتنصاع لمطالبهم وترفع يدها عن ظلمهم، ولا سيما أن غالب تلك الدول بحاجة إلى البلاد الإسلامية في الشئون الاقتصادية وغيرها.والقلة المسلمة في كل مكان لا شك أنهم في أمس الحاجة إلى المساعدة المادية والمعنوية لإقامة المساجد وبناء المدارس، ونحو ذلك مما يعينهم في عملهم الإسلامي، وواجب على كل مسلم أن يعينهم بقدر طاقته، مع إرسال الدعاة لهم، لتعليمهم العقيدة الصحيحة، واللغة العربية. لأن الكثير منهم في جهل كبير بأمور دينهم.وبهذه المناسبة نحب أن نشير إلى أن للرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بحمد الله جهودا في مختلف البلاد الإسلامية والبلاد التي فيها أقليات، وتشاركها في ذلك رابطة العالم الإسلامي، وبعض الدول والمؤسسات الإسلامية، أسأل الله أن ينفع بهذه الجهود وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفق القائمين على ذلك لما يحب ويرضى.فقد قامت الرئاسة بمواصلة نشر رسالة الإسلام في ربوع أفريقيا وأوروبا، وأمريكا وآسيا وأستراليا، لإيصال كلمة الحق إلى الناس بما توزعه من المصاحف والكتب بواسطة الدعاة والمرشدين وما يقومون به من محاضرات ودروس ولقاءات واتصالات بشتى الطبقات، وبأنواع الثقافات، ومن خلال المساجد والمدارسوالجمعيات والمؤسسات الإسلامية التي تدعمها، وتساهم في تأسيسها وبنائها، بواسطة دعاتها المنتشرين في سائر أرجاء الأرض.فالرئاسة توجه نشاطاتها فيما يقرب من خمسين بلدا في إفريقيا وحدها، ولها أكثر من ألف داعية هناك، يبلغون كلمة الإسلام، ويدعون إلى دين الله في المساجد والمجتمعات والمناسبات المتعددة، ويقومون بالتدريس والوعظ وإرشاد الناس بالحسنى إلى صراط الله المستقيم، وإلى العقيدة الصحيحة التي بلغها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لأمته، وسار على نهجها الصفوة الأولى من هذه الأمة.وقد نفع الله بجهود هؤلاء الدعاة وأخبار أعمالهم ظاهرة بحمد الله، حيث أسلم على أيديهم الجم الغفير، ممن أراد الله هدايتهم. أما في أمريكا وأوروبا وأستراليا، فقد قامت الرئاسة ضمن جهود أخرى بإرسال العديد من الوفود، وذلك لمعايشة هذه الأقليات المسلمة، وتقصي الحقائق عن أوضاع المسلمين، وتقويم أعمالهم، ومعرفة ما يستجد بشأنهم وإيجاد الحلول لما يعترضهم من مشكلات، وبيان ما ينقصهم في عملهم الإسلامي.وقد تمخض عن ذلك إرسال الكثير من الدعاة والمدرسين إلى البلدان المحتاجة التي يوجد فيها أقليات مسلمة، ودعم الجمعيات والمراكز الإسلامية في بناء منشآتها ماديا ومعنويا مع تزويدهم بأمهات الكتب والمراجع العلمية، والنصح والإرشاد لهم، لعل الله ينفع بذلك.أما في آسيا فتقوم الرئاسة بتوفير عدد لا بأس به من الدعاة في البلدان التي يوجد بها أقليات إسلامية لنشر الدعوة الإسلامية بينهم المبنية على أساس من العقيدة الصحيحة حسبما أخذها السلف الصالح عن رسول صلى الله عليه وسلم، وفهمها أصحابه رضوان الله عليهم.كما وضعت مكاتب ومشرفين لمتابعة أعمال الدعاة، وتوزيعهم حسب حاجة تلك البلدان، وبحث ما فيه مصلحة لدعم الجمعيات الإسلامية المعروفة بسلامة الاتجاه بعد التأكد من حاجتهم بالكتب الإسلامية والكتابة إلى المؤسسات التعليمية لتزويدهم بالمقررات المدرسية، كما تقوم بالمساهمة في إكمال مشروعاتهم التي تعود على المسلمين بالنفع في دينهم ودنياهم كالمساهمة في بناء المساجد وترميمها وتزويدها بالمصاحف، وتوثيق المؤسسات الإسلامية للاطمئنان على سلامة القائمين على العمل وصدقهم، وذلك بإعطائهم توصيات خاصة لمحبي الخير لمساعدتهم في عملهم الخيري، وإرسال الوفود من الرئاسة لتفقد أحوال الأقليات ومعرفة احتياجاتهم الضرورية.وكل ما ذكرت من عمل الرئاسة ودعمها للجمعيات الإسلامية والمراكز الإسلامية، وإرسال الدعاة وغير ذلك من أعمال إسلامية، كله إنما يتم بفضل الله سبحانه ثم بفضل حكومتنا الرشيدة، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد حفظه الله من كل سوء ونصر به الحق، وفسح في أجله على خير عمل.وبهذه المناسبة التي تعقدها ندوة الشباب العالمية لبحث أوضاع الأقليات الإسلامية في العالم، أوصي إخواني الدعاة جميعا بتقوى الله سبحانه وتعالى، والعمل بإخلاص في تبليغ هذا الدين مستحضرين ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، في فضل الدعوة وآداب الدعاة، حيث قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}([14]) وقال عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}([15]) وقال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}([16]).وما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله)) وقوله صلى الله عليه وسلم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما بعثه إلى خيبر: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)).ووصيتي لإخواني المسلمين في الأقليات الإسلامية وفي كل مكان، أن يتقوا الله وأن يتفقهوا في دينهم، ويسألوا أهل العلم عما أشكل، وأن يحرصوا على تعلم اللغة العربية ليستعينوا بها على فهم كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأول ذلك الاهتمام بكتاب الله فهما وعملا، كما جاء في الحديث الصحيح ((خيركم من تعلم القرآنوعلمه))، ثم قراءة كتب الحديث الموثوقة المعتبرة. وغيرها من كتب الفقه والعقيدة المعتمدة عند أهل السنة والجماعة. وأن يتلقوا كل ذلك على أيدي علماء معروفين بالصلاح والتقوى وحسن العقيدة، والعلم الصحيح.وعلى الإخوة العلماء في المجتمعات ذات الأقلية المسلمة أن ينشطوا في مجال الدعوة إلى الله بين إخوانهم وغيرهم، ولهم الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى.وهذا العمل من أجلّ الأعمال وأعظمها كما تقدم في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}([17]) ثم بعد ذلك يجب عليهم تبليغ هذا الدين إلى من حولهم من الأمم الأخرى، لأنه دين الإسلام للناس كافة قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}([18]).وهذه المجتمعات بأشد الحاجة إلى هذا الدين، والداعي إلى الله يحصل له الأجر العظيم إذا كان سببا في هداية هؤلاء وإرشادهم لما خفي عليهم من أمور دين الإسلام كما تقدم في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: ((فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)).فبهذه الدعوة يدخل في دين الله دين الإسلام إن شاء الله أفواج ويقل عدد الكفار فتصبح الغلبة إن شاء الله تعالىللمسلمين، وإن لم يتمكن المسلم في تلك البلاد من الدعوة فعليه أن يلتزم بدينه وأن يتخلق بالأخلاق والآداب الإسلامية، لأنها دعوة بالفعل، ولأنها محببة لذوي العقول الصحيحة فيتأثر الناس غالبا بهذه الصفات الحميدة، ولقد دخل الإسلام إلى بعض جنوب شرق آسيا بأخلاق التجار من الأمانة والصدق في المعاملة.ومتى عجز المسلم عن إظهار دينه في بلد إقامته، بحيث لا يأمن على دينه وعرضه وماله، فإنه يجب عليه الهجرة إلى بلاد آمنة يستطيع فيها أن يؤدي شعائر دينه بأمن وراحة بال إذا استطاع ذلك، عملا بالآيات والأحاديث الواردة في ذلك.ولا يفوتني أن أشكر للقائمين على هذه الندوة جهودهم الطيبة في خدمة الإسلام والمسلمين.نسأل الله لنا ولهم ولجميع المشاركين في هذا المؤتمر التوفيق والسداد وصلاح النية والعمل إنه جواد كريم، وصلى الله وسلم على نبينا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. الرد على مزاعم هيئة الإذاعة البريطانية(تكذيب خبر)([19])الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أما بعد:فقد كتبت منذ أيام مقالا يتضمن جواب سؤال عن حكم الاحتفال بالمولد، وأوضحت فيه أن الاحتفال به من البدع المحدثة في الدين. وقد نشر المقال في الصحف المحلية السعودية وأذيع من الإذاعة، ثم علمت بعد ذلك أن إذاعة لندن نقلت عني في إذاعتها الصباحية أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر. فتعين علي إيضاح الحقيقة للقراء، فأقول: إن ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية في إذاعتها الصباحية في لندن منذ أيام عني أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر. كذب لا أساس له من الصحة، وكل من يطلع على مقالي يعرف ذلك. وإني لآسف كثيرا لإذاعة عالمية يحترمها الكثير من الناس ثم تقدم هي أو مراسلوها على الكذب الصريح، وهذا بلا شك يوجب على القراء التثبت في كل ما تنقله هذه الإذاعة خشية أن يكون كذبا كما جرى في هذا الموضوع.وأسأل الله أن يحفظنا وجميع المسلمين من الكذب ومن كل ما يغضبه سبحانه إنه جواد كريم. وللحقيقة جرى نشره، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. إجابة عن سؤال حول مكانةالرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه بالغيب([20])السؤال: هل يوجد الرسول عليه الصلاة والسلام فى كل مكان، وهل كان يعلم الغيب؟الجواب: قد علم من الدين بالضرورة وبالأدلة الشرعية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوجد في كل مكان وإنما يوجد جسمه في قبره فقط في المدينة المنورة، أما روحه ففي الرفيق الأعلى في الجنة، وقد دل على ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عند الموت: ((اللهم في الرفيق الأعلى)) ثلاثا ثم توفي.وقد أجمع علماء الإسلام من الصحابة ومن بعدهم أنه عليه الصلاة والسلام دفن في بيت عائشة رضي الله عنها المجاور لمسجده الشريف ولم يزل جسمه فيه إلى حين التاريخ، أما روحه وأرواح بقية الأنبياء والمرسلين وأرواح المؤمنين فكلها في الجنة، لكنها على منازل في نعيمها ودرجاتها حسب ما خص الله به الجميع من العلم والإيمان، والصبر على حمل المشاق في سبيل الدعوة إلى الحق.أما الغيب فلا يعلمه إلا الله وحده، وإنما يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الخلف من الغيب ما أطلعهم الله عليه مما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة ييانه من أمور الجنة والنار وأحوال القيامة وغير ذلك مما دل عليه القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، كأخبار الدجال وطلوع الشمس من مغربهاوخروج الدابة ونزول المسيح عيسى بن مريم في آخر الزمان وأشباه ذللك، لقول الله عز وجل في سورة النمل: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}([21]) وقوله سبحانه: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ}([22]) الآية من سورة الأنعام، وقوله سبحانه في سورة الأعراف: {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}([23]) والآيات في هذا المعنى كثيرة.وقد صح عن رسول الله في أحاديث ما يدل على أنه لا يعلم الغيب، منها ما ثبت في جوابه لجبريل لما سأله عن الساعة قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل ثم قال في خمس لا يعلمهن إلا الله وتلا قوله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ}([24]) الآية من سورة لقمان، ومنها: أنه عليه الصلاة والسلام لما رمى أهل الإفك عائشة رضي الله عنها بالفاحشة لم يعلم براءتها إلا بنزول الوحي كما في سورة النور، ومنها: أنه لما ضاع عقد عائشة في بعض الغزوات لم يعلم صلى الله عليه وسلم مكانه وبعث جماعة في طلبه فلم يجدوه، فلما قام بعيرها وجدوه تحته. وهذا قليل من كثير من الأحاديث الواردة في هذا المعنى.أما ما يظنه بعض الصوفية من علمه بالغيب وحضوره صلى الله عليه وسلم لديهم في أوقات احتفالهم بالمولد وغيره فهو شيء باطل لا أساسله، وإنما قادهم إليه جهلهم بالقرآن والسنة وما كان عليه السلف الصالح. فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية مما ابتلاهم به، كما نسأله سبحانه أن يهدينا وإياهم جميعا صراطه المستقيم إنه سميع مجيب. إجابة عن أسئلة متفرقةحول كتابة التعاويذ بالآيات وأمور أخرىتتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم([25]) السؤال الأول: هل كتابة التعاويذ من الآيات القرآنية وغيرها وتعليقها في الرقبة شرك أم لا؟والجواب: قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه وأخرج أحمد أيضا وأبو يعلى والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له)) وأخرجه أحمد من وجه آخر عن عقبة بن عامر بلفظ: ((من تعلق تميمة فقد أشرك)) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، والتميمة هي ما يعلق على الأولاد أو غيرهم من الناس لدفع العين أو الجن أو المرض ونحو ذلك، ويسميها بعض الناس حرزا ويسميها بعضهم الجامعة، وهي نوعان: أحدهما: مايكون من أسماء الشياطين أو العظام أو الخرز أو المسامير أو الطلاسم وهي الحروف المقطعة أو أشباه ذلك، وهذا النوع محرم بلا شك لكثرة الأدلة الدالة على تحريمه وهو من أنواع الشرك الأصغر لهذه الأحاديث وما جاء في معناها، وقد يكون شركا أكبر إذا اعتقد معلق التميمة أنها تحفظه أو تكشف عنه المرض أو تدفع عنه الضر من دون إذن الله ومشيئته.والنوع الثاني: ما يعلق من الآيات القرآنية والأدعية النبوية أو أشباه ذلك من الدعوات الطيبة، فهذا النوع اختلف فيه العلماء فبعضهم أجازه وقال: إنه من جنس الرقية الجائزة، وبعض أهل العلم منع ذلك وقال: إنه محرم واحتج على ذلك بحجتين:إحداهما: عموم الأحاديث في النهي عن التمائم والزجر عنها والحكم عليها بأنها شرك، فلا يجوز أن يخص شيء من التمائم بالجواز إلا بدليل شرعي يدل على ذلك وليس هناك ما يدل على التخصيص، أما الرقى فقد دلت الأحاديث الصحيحة على أن ما كان منها بالآيات القرآنية والأدعية الجائزة فإنه لا بأس به إذا كان ذلك بلسان معروف المعنى ولم يعتمد المرقى عليها، بل اعتقد أنها سبب من الأسباب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا)) وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورقى بعض أصحابه، وقال: ((لا رقية إلا من عين أو حمة)) والأحاديث في ذلك كثيرة، أما التمائم فلم يرد في شيء من الأحاديث استثناء شيء منها فوجب تحريم الجميع عملا بالأدلة العامة.الحجة الثانية: سد ذرائع الشرك وهذا أمر عظيم في الشريعة، ومعلوم أنا إذا جوزنا التمائم من الآيات القرآنية والدعوات المباحة انفتح باب الشرك واشتبهت التميمة الجائزة بالممنوعة، وتعذرالتمييز بينهما إلا بمشقة عظيمة فوجب سد الباب وقفل هذا الطريق المفضي إلى الشرك، وهذا القول هو الصواب لظهور دليله والله الموفق.السؤال الثاني: يقول كثير من علمائنا أنه من الممكن أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأن رؤيته في المنام حقيقة؛ لأن الشياطين لا يستطيعون أن يتمثلوا بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل مثل هذه العقيدة شرك أم لا؟الجواب: هذا القول حق وهو من عقيدة المسلمين وليس فيه شرك لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)) متفق على صحته. فهذا الحديث الصحيح، يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد يرى في النوم، وأن من رآه في النوم على صورته المعروفة فقد رآه، فإن الشيطان لا يتمثل في صورته، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون الرائي من الصالحين، ولا يجوز أن يعتمد عليها في شيء يخالف ما علم من الشرع، بل يجب عرض ما سمعه الرائي من النبي من أوامر أو نواهي أو خبر أو غير ذلك من الأمور التي يسمعها أو يراها الرائي للرسول صلى الله عليه وسلم على الكتاب والسنة الصحيحة، فما وافقهما أو أحدهما قبل، وما خالفهما أو أحدهما ترك؛ لأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها وأتم عليها النعمة قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز أن يقبل من أحد من الناس ما يخالف ما علم من شرع الله ودينه سواء كان ذلك من طريق الرؤيا أو غيرها وهذا محل إجماع بين أهل العلم المعتد بهم، أما من رآه عليه الصلاة والسلام على غير صورته فإن رؤياه تكونكاذبة كأن يراه أمرد لا لحية له، أو يراه أسود اللون أو ما أشبه ذلك من الصفات المخالفة لصفته عليه الصلاة والسلام، لأنه قال عليه الصلاة والسلام: ((فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي)) فدل ذلك على أن الشيطان قد يتمثل في غير صورته عليه الصلاة والسلام ويدعي أنه الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل إضلال الناس والتلبيس عليهم.ثم ليس كل من ادعى رؤيته صلى الله عليه وسلم يكون صادقا وإنما تقبل دعوى ذلك من الثقات المعروفين بالصدق والاستقامة على شريعة الله سبحانه، وقد رآه في حياته صلى الله عليه وسلم أقوام كثيرون فلم يسلموا ولم ينتفعوا برؤيته كأبي جهل وأبي لهب وعبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وغيرهم، فرؤيته في النوم عليه الصلاة والسلام من باب أولى.السؤال الثالث: هل الرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره أم لا، وهل يعلم في قبره بأمور الدنيا، وهل هذه العقيدة شرك أم لا؟الجواب: قد صرح الكثيرون من أهل السنة بأن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية لا يعلم كنهها وكيفيتها إلا الله سبحانه، وليست من جنس حياة أهل الدنيا بل هي نوع آخر يحصل بها له صلى الله عليه وسلم الإحساس بالنعيم ويسمع بها سلام المسلم عليه عندما يرد الله عليه روحه ذلك الوقت، كما في الحديث الذي رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)) وخرج البزار بإسناد حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)) وأخرج أبو داود بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجعلواقبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)).والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهذه الحياة البرزخية أكمل من حياة الشهداء التي أخبر الله عنها سبحانه بقوله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}([26]) وفي قوله عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ}([27]) وروحه عليه الصلاة والسلام في أعلى عليين عند ربه عز وجل وهو أفضل من الشهداء فيكون له من الحياة البرزخية أكمل من الذي لهم، ولكن لا يلزم من هذه الحياة أنه يعلم الغيب أو يعلم أمور أهل الدنيا بل ذلك قد انقطع بالموت لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)) أخرجه مسلم في صحيحه، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((يذاد رجال يوم القيامة عن حوضي)) فأقول: يا رب أصحابي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} متفق على صحته، والأحاديث في هذا الباب كثيرة وهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب في حياته، فكيف يعلمه بعد مماته.وقد قال الله سبحانه: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}([28]) وقال عز وجل آمرا نبيه أن يبلغ الناس: {قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا |
|
| |
صانع المعروف
عدد المساهمات : 179 نقاط : 24837 تاريخ التسجيل : 25/06/2011
| مواضيع مماثلة | |
|
صفحة 1 من اصل 1 | |
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |